بإسقاط حرف، أو زيادته، أو تقديم أو تأخير. فالأولى إذًا أن يقرأ الحافظ من حفظه مرة ومن المصحف أخرى.
وأيضًا، فإن القارئ في المصحف يستعمل في القراءة لسانه وعينيه، والقارئ من حفظه يقبض على استعمال اللسان دون العين. والقارئ في المصحف يقضي حق القرآن وحق المصحف، لأن المصحف لم يجد ليهمل، إنما اتخذ ليرجع إليه فيقرأ منه، وله على الانفراد حق. ألا ترى أن المحدث يقرأ القرآن يمس، فمن أقل منه فقد قضى حقه وحق ما فيه ومن قرأ من حفظه لم يكن منه إلا قضى حق القرآن وحده. فكانت القراءة من المصحف أولى وأفضل.
وأما استحباب القراءة في الصلاة، فلأن الصلاة أفضل أحمال العبد، فإذا كنا نستحب للقارئ أن يقرأ، مستقبلاً القبلة، وفي حال الطهارة إذا لم يكن مصليًا. وإنما الطهارة واستقبال القبلة ركنان من أركان الصلاة، فهو إذا قرأه مصليًا كان ذلك أكثر للفضل والله أعلم.
وقال محمد بن حجارة: كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن من الليل أن يختموه في الركعتين بعد المغرب، وإذا ختموه في النهار أن يختموه في ركعتي الفجر. وأما استحبابنا للقارئ عرض القرآن في سنة على من هو أعلم منه، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن في كل عام على جبريل صلوات الله عليه. فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه مرتين.
فإن قيل: إنما كان يعرض ليعلمه نسخًا إن كان وقع. قيل: لو كان نسخ مما أنزل عليه شيء لأعلمه إياه قبل قراءته عليه، ولم يكن ينتظر أن يقرأ المنسوخ عليه معرفة النسخ عند ذلك، لأنه لم يكن يعرض القرآن عليه فرضًا ولا عن تقدمه تكون إليه من جبريل عليه السلام، فيقال أنه استعرضه إياه لينقحه له فيمن الناسخ من المنسوخ وترفقه عليه فإن ذلك إن كان صحيحًا فقد يمكن عند أعلم الرجلين علم بحرف أو كلمة لا يكون عند أقلهما علمًا، فهو يستفيد بالقراءة عليه أن يعرفه إياه. ولا يؤمن أن يكون قد ألف فيما يقرأه غلطًا يرى أنه صواب فيبصره علم ذلك ليرجع إليه والله أعلم.
وأما الاستكثار من القرآن في شهر رمضان، فلأنه شهر القرآن، قال الله عز وجل: