فإذا كانت تنتصف ابتداء بها بالتسمية بالكلم والحروف نصفين، فقد وقع بذلك الخروج من عهدة الخبر والله أعلم.
وعلى أنه لو ثبت المراد بالحديث أن تنتصف السورة نصفين بالآي، فقد يجوز أن ينتصف بالآي، ويكون نصفه الأول أطول من نصفه الثاني، ألا ترى أن لنا في الشهر إذا لم يجاوز تسعًا وعشرين لم يحل ذلك الشهر من التنصيف غير أنه يكون نصفها خمسة عشر، ونصفها الآخر أربعة عشر، حتى لو قال رجل لامرأته في أول شهر: إذا انتصف هذا الشهر فأنت طالق، طلقت إذا انتصف من أيامه خمسة عشر يومًا، ولو نقص منه يوم لم يبن أن الطلاق كان واقعًا قبل الوقع الذي ذكرنا، وذلك محال.
ولو قال لامرأته وقد مضى من الشهر خمسة عشر يومًا إذا مضى شهر فأنت طالق، فمضى من الشهر الثاني خمسة عشر يومًا، طلقت سواء نقص الشهر الأول أو الثاني، أو نقصا معًا أو كملا. فإذا جاز أن يكون الشهر نصفين، وأحدهما أطول من الآخر، جاز أن تكون السورة نصفين وأحدهما أطول من الآخر، والضرورة توجب أن تكون "بسم الله الرحمن الرحيم" من أول فاتحة الكتاب، لأن الله عز وجل سماها:"السبع المثاني" وأجمع المسلمون على أنها سبع آيات وليس شيء مما يلي قوله المستقيم يصلح أن يكون مقطعًا لأن قوله: "صراط الذين" مع قوله: "أنعمت عليهم" كلام واحد، لأن المعنى: صراط المنعم عليهم، وهذه جملة لا تحتمل التفريق. وقوله:"أنعمت عليهم" ليس فيه من أوصاف المقاطع المعهودة لهذه السورة شيء إلا أنها حروف متحركة قبلها حرف مد ولين. وقوله:"عليهم" آخره حرف ساكن قبله حرف صلة فتحرك. ولو جاز أن يكون ذلك مقطعًا، لجاز أن يكون قوله:"غير المغضوب عليهم" مقطعًا، فتكون هذه السورة من غير "بسم الله الرحمن الرحيم". ثماني آيات. والأمة مجمعة على خلاف ذلك. فثبت أن القول المؤدي إليه باطل والله أعلم. وأما ما عدا فاتحة الكتاب فلا يبين كل البيان أن "بسم الله الرحمن الرحيم" منها.
ومن يعتمد في إتيانها من فاتحة الكتاب على خبر أم سلمة، وعلى ما بينا آنفًا لا يقول أنها من فواتح السور كلها. فأما من يقول: إن الاعتماد في نقل إثبات القرآن على النقل العام، وإن المسلمين توارثوا خلفًا عن سلف، أن المصحف جامع القرآن، فكل ما أثبت