ثم لو قيل في الجملة: إن القرآن خير من التوراة والإنجيل والزبور، بمعنى أن التعبد بالتلاوة والعمل واقع به دونها، والثواب تجب بقراءته لا بقراءتها، وإنه من حيث الإعجاز حجة النبي المبعوث به. وتلك الكتب لم تكن معجزه، ولا كانت حجج أولئك الأنبياء، بل كانت دعوتهم، والحجج غيرها، لكان ذلك أيضًا نصير ما مضى ذكره والله أعلم.
وقد يقال: إن سورة أفضل من سورة، لأن الله تعالى عند قراءتها كقراءة أضعافها مما سواها، وأوجب بها من الثواب ما لم يوجب بغيرها، وإن كان المعنى الذي لأجله بلغ بهما هذا المقدار لا نظير لهما، كما يقال: إن يومًا أفضل من يوم، وشهر أفضل من شهر، بمعنى أن العبادة فيه تفضل على العبادة في غيره، والذنب يكون أعظم في غيره، كما يقال: أن الحرم أفضل من الحل، لأنه يتأدى فيه من المناسك، ما لا يتأدى في غيره، والصلاة فيه تكون كصلاة متضاعفة مما يقام في غيره والله أعلم.
وأما الاستشفاء بالقرآن، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن خاتمة القرآن المعوذات، وإن الخلق لم يتعودوا بمثلها. وقد ثبت في الجملة إن الكلام ما يستشفى به. فقد أخبرت عائشة رضي الله عنها أنها كانت تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فتقول: اللهم أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، اشف شفاء لا يغادر سقمًا. وأن جبريل صلوات الله عليه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشكو، فقال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك والله يشفيك، بسم الله أرقيك.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما من مريض لم يحضر أجله تعوذ بهؤلاء الكلمات: (بسم الله العظيم أعيذ، بالله العظيم من شر ما يجد، سبع مرات إلا شفاه الله). فإذا كان هذا هكذا، فإن القرآن الذي لا كلام أشرف منه ولم ينزله الله عز وجل إلا ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، ويتقدم به من النار، بعد أن كانوا على شفا حفرة منها ويهديهم به إلى الجنة، التي منها الحياة الدائمة، والراحة التامة من كل خوف وحزن،