الناس. فلما فرغ قال:(مالي أنازع القرآن) وقال: (قد علمت أن بعضكم خالجها).
قال الزهري رضي الله عنه: فأمسك الناس بعد ذلك عن القراءة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة. هكذا كل مصل وقارئ فلا ينبغي لمصل غيره وقارئ سواه أن يخلط قراءته عليه والله أعلم.
وأما أنه لا تحل قراءته سماعًا، ولا يبتدئ حيث اتفق، فلأن المسلم إذا نهي عن أن يعرضه لمن يشبهه ويهتك حرمته. كان نهيه عن أن يروى به ويشبهنه بنفسه، أولى إذا نهى عن أن يحمله أو يمسه إلا طاهرًا، كان نهيه عن أن يمده بيده، لا خطر له فيأخذه من يشاء ويمسه من يشاء. ولعل فيهم من يلونه ويناله ينبغي صيانته أو يفعل عنه، يصيبه غبار البيت إذا كنس، والدخان إذا أوقد. أو يحمل عليه حسنات تجارته أو مفتاح حانوته أولى وأشد. ولأن الله تعالى وصف الكتاب بأنه:} في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون {. فإن كان فوق السموات مكنونًا محفوظًا، والناس مختلفون: الأماكن مختلفة، والأحوال شتى، أشد وأولى والله أعلم.
وأما تفخيم قدر المصحف وتفريج خطه، فقد روى فيه أن عليًا رضي الله عنه أتى على رجل يكتب مصحفًا، فقام ينظر إليه، فقال له أجد قلمك قال: فقصصت من قلمي قصة فقال: نعم هكذا نوره، كما نوره الله. وأيضًا فإن ذلك أشبه بالإجلال والتعظيم، ألا ترى أن الناس إذا أرادوا مكاتبة ذي ملك أو سلطان، تخيروا له من القراطيس أكبرها وأمتنها وأبقاها وأقومها من الخطوط، وأفخمها وأحسنها. ومن المداد أبرقه وأشد سوادًا، وفرجوا السطور ولم يقرمطوا، وما ذاك إلا ليكونوا قد ضنوا بشيء ما كانت إليه الحاجة في مكاتبته، وبخلوا به وصغروا قدره، فلذلك صغروا الكتاب إليه أو اسمه حيث أنبتوه بكتاب الله تعالى أولى أن يفرج ويحسن رقه وخطه ومداده، ولا يتصور كاتبه بصورة النجاد ما يخط فيه كتابه، أو المرزق بكلامه، والمصغرين قدر أسمائه وأسماء ملائكته ورسله، وتبيان أحكامه وحدوده وبالله التوفيق. وأيضًا فإن الكتاب كلما كان