للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما شرع لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبيكم صلى الله عليه وسلم وعليهم، أي أنه لم يرض من أحد من عباده أن يعصيه في أوامره ونواهيه، بل أخذ الأنبياء عامة وأممهم بطاعته وإتباع أوامره، فلذلك ألزمهم طاعته، لم يرخص لهم في خلافها، وليس بقابل منكم غيرها، فأقيموا الطلق أي الطاعة فلا تتفرقوا، وليس في هذا ما يوجب اختلافا بين المتقدمين والمتأخرين في اللين، لأن وجوب الطاعة بشملهم، وإن كان ما تجب الطاعة فيه متفرقا، والأعمال لم تكن إيمانا عندنا لأعيانها، حتى إذا كانت مختلفة أوجب ذلك اختلاف الإيمان وتفرق الدين وإنما كانت إيمانا لأنها طاعات، فإذا كان معنى الطاعة تجمعها، فقد وجد الاتفاق في دين الجميع والله أعلم.

ثم أن قوله عز وجل: {ولا تتفرقوا فيه} يدخل في جملته أن لا تتفرقوا في الدين، فيكون من بعضهم الطاعة ومن بعضهم خلافها. فأما إقامة الطاعة ممن يقيمها لا ينفع إلا نفسه دون من وجد منهم خلافا، ويدخل فيه أن لا تختلفوا فيه. فيقول بعضهم لشيء من الطاعات هذا خارج من الدين الذي تعبدنا به، فإن الدين هو الطاعة، فإذا شرع والله أعلم.

قال القائل: وقد يكون في الناس من لا علم له بالفرائض وهو مع ذلك يسمى مؤمنا، ولو لم يعلم ما يلزمه الإقرار به لم يكن مؤمنا، وإنما في هذا ما يبين اختلاف الإقرار والعمل. فيقال له: وفي الناس من لا علم له بالتوحيد، وأنت تسميه مؤمنا مثل الصبي المولود بين المسلمين، والمجنون- صغيرا كان أو كبيرا- إذا كان مولودا بين المسلمين، ولا يدل ذلك على أن التوحيد ليس بإيمان، فكذلك الصغير المؤمن إذا بلغ ولم يعلم بلوغ نفسه أو لم يخطر وجود التوحيد في قلبه فهو مؤمن، ولا يدل على أن التوحيد ليس بإيمان.

ويقال: كل من كان عليه فرض يؤاخذه الله بتركه، فلم يطلب علمه مع إمكان طلبه، وأخل بفعله لجهله، فليس بمؤمن مطلق إيمان، كلنه ناقص الإيمان من وجهين: أحدهما ترك طلب العلم والآخر الإخلال بالعمل، فكلامك غير لازم.

ويقال له: أخبرنا عن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، أكان إيمانا؟ فإذا قال نعم! قيل له: فمن آمن به ولم يره أليس كان يصح إيمانه؟ فإذا قال: بلى! قيل له فإذا لم يكن رآه لم يعلمه بعينه فيعظمه، أيدل هذا على أن تعظيمه إياه ليس بإيمان؟ فإذا قال: لا!

<<  <  ج: ص:  >  >>