قيل له: فما أنكرت أن ما يعلم الفرائض بأعيانها فيعمل بها، يكون مؤمنا فلا يدل ذلك على أنه إذا علمها فعمل بها لم يكن عمله بها إيمانا، وبالله التوفيق.
وقال القائل: ولو كان العمل من الإيمان لكان المنافقون مؤمنين، لأنهم يعملون ما يعمله غيرهم. فيقال له: أرأيت أن قال لك قائل: أن الإقرار ليس بإيمان لأن المنافقين كانوا يقرون، فلو كان الإقرار إيمانا لكان المنافقون مؤمنين، فإن قال كان إقرارهم فاسدا لأنهم كانوا يبطنون خلاف ما يظهرون. قيل: فكذلك أعمالهم فاسدة، لأنهم كانوا يبطنون خلاف ما يظهرون، وشرط الأعمال الإخلاص. فمن لا إخلاص له لا عمل له والله أعلم وبالله التوفيق.
وهذه مسألة وجدتها في هذا الباب لبعض المغرورين، فنقصها عليه وإن كنت لم أعرفه، وزعم: أن الإيمان هو التصديق والاعتقاد دون سائر العبادات، لأن الله تعالى سمى من صدق بما جاء به مؤمنا بقوله:{آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه، والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله}، وهذه عبارة عن الاعتقاد دون غيره من الأفعال.
فيقال له: ليس في هذه الآية إلا أن الله تبارك وتعالى شهد لرسوله وللمؤمنين الذين كانوا معه، بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله. ولسنا ننكر بأنهم فعلوا ذلك واستوجبوا هذا الوصف، وليس من مدحهم والثناء عليهم بأنهم آمنوا ما يبين حد الإيمان وحقيقته، لأن وصف الواحد بالإيمان مطلقا لا ينبي عما كان منه من عقد أو قول أو فعل، فكان به ولأجله مؤمنا.
ألا ترى أن الله عز وجل قال فيما مدح به قوما:{الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار}.
فلم يتسع ذلك لإيمانه حد الصبر أو الصدق أو القنوت والاستغفار، ولا حقيقته، ولم يكن فيه إلا أن فاعلي هذه الأفعال مستحقون للثناء والمدح، وكان علم حقائقهما وحدودها مطلوبا من غير هذه الآية.
وهكذا لما قال: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون