فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد ذات ليلة في رمضان، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من الثانية فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة والرابعة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال:(رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا إني خشيت أن تفرض عليكم). ودلت صلاته بهم جماعة على أن القيام في الشهر يتأكد حتى يداني الفرائض، ولولا ذلك لم يخش وأن يواظب على الصلاة بهم أن يدخل في حد المفروض بهم فيلزم. وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يخرج في آخر ليلة من رمضان من هذا المقبول الليلة فيهنئه، ومن المحروم المردود الليلة فيعزيه، أنها المقبول هناك، وأنها المحروم المردود، جبر الله مصيبتك.
وكان ابن عون رضي الله عنه إذا شهد رمضان جاء برمل فألقاه في المسجد، ثم يقول لبنيه: ما تبتغون بعد شهر رمضان، وكان لا ينام. فأما مقدار القياس فليس بموقوت في نص السنة. وقد روى أنهم كانوا يقومون في رمضان بعشرين ركعة، ويقرأون بالمائتين، ويعتمدون على العصي في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولذلك يروى عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يصلي بهم وهذا هو العمل المتوارث. ولا تعيق الزيادة على هذا ولا النقصان فيه. وروى أن معاذًا - أبا حليمة - كان يصلي بالناس في رمضان بإحدى وأربعين ركعة.
وروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أبي بن كعب وتميم الدارمي أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم: صلى في شهر رمضان ليلة ثماني ركعات ثم أوتر. ولكنهم لم يروا هذا حدًا، لأنه خبر عن ليلة واحدة، وقد صلى بهم ثلاث ليال. فقد يجوز أن يكون زاد في غيرها على ما صلى منها، وإجماع الصحابة على الزيادة دليل على أنهم غفلوا عنه صلى الله عليه وسلم أن فعله لم يكن حدًا، والله أعلم.
وأما المتوارث عن عادة أهل مكة من قيام شهر رمضان، فهو أنهم يقومون بعشرين ركعة، إلا أنهم يطوفون بين كل ترويحتين سبعًا، فإذا صلوا التسليمة الأخرى لم يطوفوا ولكنهم بمضمون إلى التنغيم، فيحرمون بالعمرة، ثم يأتون البيت فيطوفون ثم يسعون