للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الوقت وقت حدث وتسميد. ويحتمل أن يكون ذلك مأخوذًا من أصل آخر، وهو أن أغلب صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير رمضان من الليل إحدى عشرة ركعة أخرى وتر. فرأوا أن يجعلوا هذا العدد أصلاً ثم يضعفونه في شهر رمضان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سن قيامه فلما أراد القيام فيه غلظ بان صار سنة، بعد أن كان في غيره تطوعًا غلظ عدد الركعات فيه بالتضعيف، فصارت عشرين بعد أن كانت في غير عشرًا.

فإن قال قائل: وأين كان الناس عن هذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الذي جعل إلى عمر أن يشرع في الدين، ويقدم ويؤخر ويبدل ويغير؟

قيل له: قد بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سن القيام في شهر رمضان وأنه خرج ثلاث ليال فصلى بهم جماعة، ثم ترك الخروج، لا لأنه لم ير الاجتماع لهذه الصلاة، ولكن رفقًا بأمته أن لا تكتب عليهم. فكان هذا بمنزلة العذر يعرض فيحول دون السنة أو دون الفرض، ولم يأمر غيره بأن يصلي بهم، لأنه لو أمر لكان ذلك المأمور بمنزلته إذا كان إما يصلي خلفه بأمره، ولم ينصب الناس بأنفسهم إمامًا فيصلوا خلفه لأن الإمامة حق النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينصب أحد إمامًا وهو حاضر. فكانوا يصلون في بيوتهم. وكان أيام أبي بكر رضي الله عنه على هذه الجملة ولم يصل. فلما كان زمن عمر رضي الله عنه رآهم أوزاعًا في المسجد يصلون، فكره ذلك لهم فدعاه علمه بأن هذه الصلاة تليق بها الجماعة، إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بالناس جماعة، وإنما ترك الخروج لها لعذر، وقد زال ذلك العذر إلى أن يردها إلى حكم أصلها، فجمعهم على إمام واحد لئلا يتفرق المسلمون في مسجد واحد، فيصلون اوزاعًا بل يصلون مجتمعين كما يصلون المكتوبات مجتمعين. وليس هذا شرع في الدين، ولكنه عمل بالاجتهاد في موضع الحاجة والله أعلم.

وأيضًا فقد روي أن الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا على أن أحدهم إذا سبق بشيء من الصلاة أشير إليه إذا حضر، فقضى ما فاته ثم تابع الإمام. فجاء معاذ رضي الله عنه يومًا وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الصلاة، فأشير به إليه فقال: لا أجده على حال تابعته عليها، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قضى ما فاته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد سن لكم معاذ، فكذلك فافعلوا).

<<  <  ج: ص:  >  >>