واليوم الآخر} وقد علم أن المراد بالآية عمارة ما خرب من المسجد، ورم ما استرم ألا ترى أنه قال:{إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة} فلو كان المراد بالعمارة والصلاة لصار كأن قال: إنما يصلي في مساجد الله من آمن بالله وأقامن أن الخبر لا يجوز أن يأتنا عن النبي الصلاة. وذلك لا وجه له. هذا وقد قال:{أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد كمن آمن بالله واليوم الآخر}. أي أجعلتم ولاية المسجد والقيام بعمارته كسقاية الحاج كإيمان من آمن بالله فثبت أن معنى قوله {إنما يعمر مساجد الله}. أي إنما ينبغي أن يتولى عمارة البيت من يؤمن بالله ويقيم الصلاة. في هذا ما أبان أن ذلك الخبر لا يجوز أن يأتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالجواب: أن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو ملائم لما قاله هذا القائل من معنى الآية. ووجه ذلك والله أعلم- أن الاهتمام بعمارة المسجد وحضوره لا يليق بالمشركين، وإنما هو من عمل المؤمنين. لأن الإيمان هو الذي يبعث عليه يدعو المؤمن إليه. فكما أن الله عز وجل نفي ولاية المسجد والقيام بعمارتها عن المشركين، لأن الكفر بالله يحول بينهم وبينا الاهتمام بالبيوت المضافة إليه المختصة بعبادته. فكذلك اعتياد المساجد والولوع بها والانقطاع إليها بالتعبد، لا يليق بالكفار بالله، إذ الكفر يحول بينهم وبين عبادته، وتعظيم البيوت المضافة إليه. فمن روى ذلك منه وعرف به فينبغي أن يشهد له بالإيمان، فإنما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الآية، ليجعل ما جاءت به مثلا لما ذكره من اعتياد الرجل المسجد لا ليحتج بلفظها به والله أعلم.
فأما إقام الصلاة جماعة فقد قيل: أنه من فروض الكفاية. فلا ينبغي لبد وإن صغر، أو لقرية أو حصن من أن تقام فيه الجماعة للمكتوبات الخمس، ومن أتى بها منهم سقط بذلك الفرض عن الباقين، وإن تركوها جميعًا فكلهم خرجون، وقيل: أنها سنة مؤكدة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم تغليظ شديد على من تركها، نحو قوله:(من سمع النداء فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له). ونحو قوله: (لقد هممت أن آمر فتياني أن يجمعوا الحطب ثم آمر بالصلاة فتقام، فإن خالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم