للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المال لقرينه وشكله، وكما أنه إذا قدر على مواساة المحتاج فلم يفعل ذلك حتى هلك المحتاج، كأن قلبه حلت سر صنيعته إلى نفسه من المحامد والمحاسن بحبسه، لا يجمع بذلك حياه مثله، والزيادة في عدد أهل ملته، واختار الفضل على البخل، واعتاض عن مال يسير أخرجه من ملكه أحدًا يدعو له في وقت الدعاء، ويثنى عليه في أحوال الثناء. ولا يشكل على ذي عقل ومعرفة. أن الأمر إذا كان ما وصفنا، فالدفع خير من البيع، والإعطاء أحين من الاستبقاء. فلئن كانت الشريعة جاءت بفرض الزكاة، فإنما جاءت بأفضل الخصلتين وأجمل المعاملتين، ودعت إلى إحدى السبيلين وأزكى الأمرين. فلا يتمسك بها إلا فاطر مبصر له شده ولا يرون منها إلا غافل عن مصلحته، جاهل بصواب أمره وبالله التوفيق.

وإذا ظهر عظم الزكاة بما وصفنا. والزكاة اسم لفرض مطلق، ولا سنة من جنسه، وهي في هذا مخالف الصلاة. ويشبه أن يكون وجه الفرق بينهما: أن الصلاة تقام بالبدن متشبهة لأكثر من الصلاة المفروضة، فسن عليها من الزيادة ما سن، لأنها لا تفرح ولا تسر وليس المال في هذا البدن لأن المفروض من الزكاة إنما اعتبر فيه الثاني، والإمكان. فأوجب قليلًا من كثير، أو يسيرًا من جليل خطير، لأن لا تصير المواساة بالمؤاسي ويتحول الداء للتداوي. فلو سن مع المفرض منها من النوافل مثل ما سن منها من فرائض الصلاة لشق ذلك على أرباب الموال وأجحف بهم، وأثر في أحوالهم، فلهذا لم يلق أن يسن من الزكاة كما سن من الصلاة والله أعلم.

وجملة الزكاة قسمان: أحدهم حق المال، والآخر حق البدن.

فأما حق للبدن فزكاته الفطر، لأنها أوجبت شكرًا للإباحة الواقعة بعد الحظر، تلك الإباحة للأبدان إذا كان الحظر عليها. فالزكاة إذا حقها. وأما التي هي حق الغناء والثروة فهي التي تدعي زكاة المال. حملة الأموال التي تحب فيها الزكاة ثمانية أصناف: الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والزروع النخل والكرم. ومن هذه الأموال ما يتعجل وجوب الزكاة فيه عند الملك، كالذهب والفضة المستخرجين من المعدن إذا بلغا كمل النصاب، ثم تتكرر الزكاة عليه بالأحوال ما دام باقيًا في الملك.

ومنها ما يتعجل وجوبها فيه ثم لا تتكرر عليه بتكرر الأحوال ما دام باقيًا في الملك

<<  <  ج: ص:  >  >>