كتمر النخل والكرم والحب. فإن من بدأ صلاح شيء منذ لك في ملكه وجب عليه زكاته، فإن كان ملكه في ساعته. ومنها ما لا تجب الزكاة فيه حتى يحول عليه حول تان، ثم تتكرر الزكاة فيه بتكررها عليه في الملك، وهو المواشي التي ذكرناها، وما حكم من هذه الأحكام إلا وله دلائل. وما أصل من هذه الأصول إلا ويتفرع ويتشعب الكلام فيه، وعلم ذلك موجود في الكتب المفردة لهذا الفن. وإنما نذكر في هذا الكتاب محاسن الشريعة وعلم الآداب ما يجرب مجرى التكلم لما ألفه الفقهاء في تلك الأبواب. ونقول في الجملة: أن نعمة الله تعالى بالمال كانت تضم جميع أصنافه والزكاة لا تضمها ولكن تخص بالوجوب وإلا حد بعضها وفي ذلك وجهان.
وأن أحدهما أن الله تعالى أوجب الزكاة في كل جنس من أجناس المال في أعلى أنواعه وعفا عما دونه، بأن الحاجة إلى الأعلى عامة شديدة. وكذلك ما كان أعلى وأشرف من غيره، فإن فضل المال ليس إلا أنه محتاج إليه. فما كانت الحاجة إليه أشد، والمحتاجون إليه أكثر، فهو أسم الفضل أولى وأحق. وإذا كان ذلك اقتصر فرض المواساة على هذا النوع لأن علة المحتاجين ينزاح بما يوفون منه، ولا يبقى لهم بعدما يستنفذونه منها ضرورة، ولا يطيقون جملتها، ولا يقدرون على الصبر معها، وإنما يبقى العجز عن تبعات الشهوات التي لو أمكنوا منه، وألزم الأغنياء أقدراهم عليه، لبطل ابتلاؤهم بالحاجة، ولم يظهر منهم وبين الممكنين بزمامه ما يحبونه ويشتهونه فرق. ثم أن أصناف الأموال معلومة: أحدهما ما يستخرج من وأعلاه الذهب والفضة، لأن الناس كلهم محتاجون إليهما ولا غنى بأحد عنهما، فإنهما مالا الثقل والتجارة، وبهما تقوم الممتلكات وتقدر رؤوس الخبايات، وما عدا ذلك من النحاس والحديد والرصاص فسلع يمكن التجهز دونها. وقد يقوم غيرها مقامها، أو مقام بعضها. ومنها الحيوانات التي تقتني فأعلاها الإنعام، فأن الدر والنسل منها يقتني، وفيها ما يؤكل لحمه، ويركب ظهره، ويحمل عليه الأثقال إلى أقاصي البلدان والأطراف. وفيها ما لا يصلح لذلك، إلا أن المنفعة تتوفر بلحومها وألبانها وأصوافها وأشعارها وجلودها. فأما ما عداها مما بعد وثبة أولًا فكمل كمال هذه الأصناف فائدة ومنفعة، وأصناف الظاهر التي تقتني رج، وأما الصيد التي تلو فليست الحاجة إليها كالحاجة إلى الأنعام التي وصفنا. ألا ترى أن الحاجة إلى البغل والحمار إنما تكون للحمل والركوب، والإبل تعمل عملها ثم تزيد عليهما بأن منهما طعامًا وشرابًا وليسا في البغال والحمير.