وأما الخيل فإنها لا تطيق من الجهد ما تطيقه الإبل ولا تفيد من الرسل ما تفيده، فهي من هذا الوجه أيضًا بمنزلة سائر التوابع لها لقصورها عن منزلتها مما يراد ويصلح له، ومنها ما كسبت من الأرض فأداة الأبدان التي لا قوام للأبدان إلا عليها، وما عدا ذلك مما يطعم يلد أو يراد للقوات طيبة له، فهو فضل جعلت الزكوات واجبة في أعالي هذه الأجناس التي تعم وتشتد الحاجات إليها، فإن في ارتقاق المحتاجين أن يصيروا على مضض الحاجة التي يقع لهم إليها إهلاكهم، ولم يكن لهم في إخراجهم أهلاكهم، وإنما كان ابتلاؤهم. وجعلت الزكاة مقصورة على هذه الأنواع ليتم الابتلاء الذي يعد فدولهم بإخراجهم والله اعلم.
وأما الموضع الآخر: فهو أن هذا الذي ذكر وقع عليه الاقتصار من الزكاة المأخوذة وعلى هذه الأجناس المذكورة. وإلا فالحق الذي يجب لله تعالى في مال الغني لا يقتصر بها على نوع دون نوع، لكنه سبع في الأنواع كلها، بأن لهذه الزكاة التي أوجبها في أصناف مخصوصة، فمن لم يكن عنده سواها، فأخرج زكاتها، فقد قضى حقها. ومن ملكها وملك معها خيلًا وبغالًا وحميرًا وأثاثًا وضياعًا وجواهر حقها، فأخرج الزكاة من الأصناف المعلومة قضى لما يخرجه منها حقها، وحق عامة ما يملكه من صنوف الأموال. ومن قال هذا، قال: إن كانت الزكاة لن تجب إلا في الموال مخصوصة، والصلاة لم تجب إلا في أوقات مخصوصة، ثم لا يجوز أن يقال أنها حتى يلزم لبقاء البدن وسلامته في تلك الأوقات خاصة. لكنه حق لبقائه وسلامته في عامة الأوقات، غير أنه جعل ما يقام من الصلاة، وفي بعض الأوقات قاضيًا حقها وحق غيرها من ساعات العمر كلها، فكذلك الصيام إنما أوجب في شهر من أثنى عشر شهرًا، ثم لا يجوز أن يقال: أنه حق لبقاء البدن وسلامته في ذلك الشهر خاصة، لكنه حق لبقائه وسلامته فيه وفي غيره، إلا أنه جعل الصيام فيه خاصة قاضيًا حقه وحق السنة كلها. وكذلك الحج إنما أوجب في وقت معلوم من سنة ثم أخذه، وليس يجوز أن يقال: أنه حق البقاء والسلامة في تلك السنة، ولكنه حق العمر كله وإن طال وامتد، وأشبه من هذا أمر الزكاة، إنما تجب في ثمر وشجره. لأن الله عز وجل قال:{ومما أخرجنا لكم من الأرض} والكل خارج من الأرض.