للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنكر، وكذلك الصيام من تبعها، لأن الممتليء من الطعام والشراب رأس البواعث على الفواحش والمناكير، ولذلك قالت العرب في أمثالها التي شهدت العلماء بأنها حكم، وتلقوها عنهم ودونوها وجلدوها دبرت به البطنة، أي يملأ ويتبع. فجملة ذلك على أن يغمض ويثبت بمثل هذا لمن حسنت حاله واستجمع أمره، فصار لذلك يشغل بطلب ما لا يعنيه، ويتعرض لما لا ينبغي له.

ومثلها في العادات أن الجائع أو العطشان لا يجد في نفسه من باقي الشهوات ما يجده منه المملي من الطعام والشراب، ولكن كل شهوة هاجت وتحركت في نفس واحد. فإنما يهيج ويتحرك بعد سكون ثائرة الجوع والعطش، وحقيق أن يكون كذلك، فإن الحاجة إلى الطعام والشراب ضرورة لا قوم للأبدان إلا بهما، والحاجة إلى ما ورائهما من الشهوات زيادة ولا شك إذ ألهم بالزوائد إنما يحدث بعد تقضي الهم بالأصول والأركان.

وإذا كان كذلك فقد حصل من الصيام والتقوى إذا كان يجاب إلى الصيام من الجوع والعطش ما يخمد به شهواته فينقطع به ولا يأتي في فضلها ما لا يرضاه الله تعالى. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء). فأمر بالنكاح ليكثر المؤمنون وعباد المسلمين، ثم أمر من لا يقدر عليه للفقر وسوء الحال أن يصوم. وأخبر أن صومه له وجاء. أي يقطع شهوته، فلا ينادي بها وفي ذلك صحة ما وصفت وبالله التوفيق.

ولمعنى الآية وجه آخر: وهو أن يكون المعنى: لعلكم تتقون الكفران والتغافل، فصدوا النعمة عن شكرها. وذلك أن الناس كانوا مملئين طول الدهر ليلاً ونهاراً من الأكل والشرب، فنسوا الجوع والعطش، وغفلوا عن شدتها، ويحسب ذلك يحملون موقع نعمة الله عليهم بالطعام والشراب، ويغفلون عن شكرها. ففرض الله عليهم مدة من المدد ليستشعروا أن المتمكن من الأكل والشرب لا يقع بمجرده وجود الطعام، لكن يحتاج مع الموجود إلى إطلاق المولى وإباحته، فيكون ذلك أطرأ لإيمانهم، ثم يكفوا

<<  <  ج: ص:  >  >>