للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد يجوز أن يكون على ظاهره. ويجوز أن يكون مثلاً. فإن أجرى على ظاهره، وجهه: أن أبواب الجنة تفتح فيقال لأصحابه من قبل الله تعالى الجنة. ولا مدخل للمؤمنين غيرها فلا تكتلوا ولا تقتروا فإنكم تصلون إلى الجنة في هذا الشهر اليسير من العمل الذي لا يصلون لمثله إليها في غيرها. وينحنون من النار ما لا ينحنون فيما سواه، فإنكم إن أخلدتم إلى تقصير في العبادة وجريتم في المعاصي على عادتكم، كنتم الممتنعين من دخول الجنة بعدما فتحت لكم. والمعرضين لفتح باب النار بعدما غلقا دونكم.

فإن قيل: أن ذلك مثل، وجهه: أن الله عز وجل وعدني هذا الشهر تضعيف الحسنات، وجعل فيه ليلة خير من ألف شهر، فصارت الجنان كأن أبوابها فتحت، ونعيمها أتيحت. وصارت النيران كأن أبوابها غلقت وشدائدها أبطلت. لأن الحسنات إذا ضعفت في عامة الشهر، ثم كانت ليلة القدر كألف شهر. فالغالب أن أحدًا من المؤمنين لا يبلغ ساقه من الكثرة أن لا يعم بها هذه الحسنات المضاعفة حتى تصير كأنها لم تكن. وإذا اتفق ذلك، فلا مؤمن إلا وقد استوجب الجنة وحرم على النار. فصارت الجنات كأنها أتيحت للمؤمنين في هذا الشهر والنيران كأنها رفعت عنهم. فإن قصر مقصر فجرى في هذا الشهر على عادته في التثاقل عن الطاعات والدوام على المعاصي والسيئات، فإنما أوتي من قبل نفسه، وهو الذي أراده الرسول لقوله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم.

وأما تصفيد الشياطين، فقد يجوز أن يكون أراد بذلك آياته خاصة، ويكون وجهه أن القرآن كان ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة، قدر ما يكفي لتلك السنة إلى مثلها من العام القابل. فكانت الشياطين تصفد في رأس الشهر لئلا يتمكنوا من السرقي في أسباب السماء لاستراق السمع، مبالغة في حراسة القرآن يشهد، أو شيئًا منه، أو يعلم ما يراد تنزيله منه، أو مقداره، قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك غيره. وإن كانت الحراسة قد رفعت الشهر والحراس، فيكون ذلك نظير قوم يحنثون في موضع، ويوكل بهم جماعة تحرسهم تنفق وقت يراد به المبالغة في حفظهم، فيراد ما كان أمنه أن يقيدوا. فكذلك هذا والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>