للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا كان تصفيد الشياطين في شهر رمضان مقصورًا على زمان النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. ويدل عليه أنه قال في بعض ألفاظ هذا الحديث سلسلت مردة الشياطين، فخص المردة بالذكر. وقال الله تعالى عز وجل في قصة لمسترقة {وحفظًا من كل شيطان مارد}. فالأغلب إلا شبه والله أعلم، أن يكون التصفيد لمسترقة السمع الذين لهم فضل قوة، وفيهم فرط خبث، فلاجتماع الأمرين لهم يعدون صعود السماء للسماء، للوقوف على ما فيها، فيصفدون في هذا الشهر لئلا يقدروا على الرقي، فيكون ذلك أحسم لشرهم وأبلغ في حراسة الوحي من أن يحلها الصعود، حتى إذا حصلوا في مقاعدهم أو أحفظ منهم حفظه رمي ببعض الشهب والله أعلم.

وقد قيل: أن تصفيد الشياطين مثل لتطهير أنفس الصيام من البواعث على المعاصي في هذا الشهر واشرابها حب الطاعات، والحرص على العبادات، وذلك لما ينقمع من شهواتهم، ويقبلون عليه من قراءة القرآن، والاجتماع مع العلماء وأشراعهم إلى الذكر، فإنهم إذا حسموا أطماعهم في هذا الشهر من الملاذ التي هي محللة في غيره، أو محللة في أمثاله كانوا لها عن الملاذ التي هي محرمة في الشهور غيره أشد حسمًا. وإذا وطنوا أنفسهم على قراءة القرآن ومجالسة العلماء لم يجمعوا إليها ما لا يليق بهما، ولم يقبلوا عليهما إلا ليكون عملهم بحسب ما يتلون في القرآن ويسمعونه من أهل العلم.

وإذا قاموا النوم، واحتاجوا إلى صيام الغد ويبيت النية له من الليل، وعلموا أنهم مندوبون إلى قيام الليل، ورأى بعضهم بعضًا وهم يصلون في المساجد وفي البيوت، كان المنهمكون في الفساد قبل الشهر بين حالين: أما أن تقيدوا بالصالحين فيصلوا كما يصلون. وأما أن يرتدعوا في الشهر عما كانوا يأتونه في غير الشهر، وما منعه الله تعالى من محق السرور، وأسباب الفساد فيه يتصفيد الشياطين، لأنهم هم الذين يغرون الناس بالمعاصي ويوسوسون إليهم بها. فإذا ضعفت آثارهم وذهبت مكائدهم في هذا الشهر، صاروا كأنهم صفدوا، فصاروا لا يصلون إلى اختلاط بالإنس، وحملهم ما كانوا يحملونهم عليه من قبل والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>