للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قال هذا، قال: ليس بأكثر مما جاء في القرآن من قوله عز وجل الكفار: {لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون، إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون، وجعلنا من بين أيديهم سدًا، ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}.

ومن قوله عز وجل: {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم}. ومن قوله عز وجل: {صم بكم عمي}.

فإذا جاز أن يكون الله قد شبه الكفار، وأعراضهم عما يسمعونه ويرونه من آيات الله وبيناته ونزولهم منزلة من لا يسمع دعاء، ولا يرى آية ولا يعقل حجة مقبولة المعلول، الممنوع بعله، يراود عنه مما يمتنع العل عن مثله. فكذلك يجوز أن يكون تصفيد الشياطين عبادة من قلة تمكنهم في هذا الشهر من هذا الناس عن الطاعات وإغوائهم بالمعاصي والسيئات والله أعلم.

وقيل: إن ذلك حقيقة وليس بمثل، والمعنى أنه حال بينهم وبين السلطان الذي لهم على نفوسهم اليأس في هذا الشهر بأصفاد تليق بهم، فلا يتهيأ لهم معه الخلوص إلى النفوس، وإحضار الفساد للقلوب، وإن اجتماع المسلمين على الصلاة والصيام في الشهر مع تكاسل بعضهم على الصلوات المكتوبات في غيره، والسماحة بالصدقات مع التحل بالزكاوات فيما سواه. والإقبال على القرآن مع التغافل عنه في أكثر الأوقات، والميل إلى مجالسة أهل العلم ومساءلتهم هذا الإعراض عنه، وترك الإشتغال به من قبل، وتركهم شرب الخمور مع الحرص عليها طول السنة، ليس الإنقطاع مكائد الشيطان عنهم، ولا ذلك لم يكونوا في هذا الشهر إلا كما يتكاسلوا عن الصلوات في أوقاتها. فإن صيام يوم من أوله إلى آخره أشق من ركعتين أو أربع ركعات، فلما كان ذلك لا يقع منهم، علمنا أن الشياطين قد سمعوا عنهم، فمن ذلك ينتشروا للطاعة والعبادة والله أعلم.

فإن قيل: ليسوا مع ما وصفتم لا يخلون من وجوه من المناكير، والعظائم منهم، نحو قطع الطريق، وقتل النفوس والرق، فهلا علمتم بذلك أن الشياطين غير ممنوعين عنهم إن كانت هذه المعاصي لا تقع من الناس إلا باعوا الشياطين.

<<  <  ج: ص:  >  >>