للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: أن الشياطين وإن صفدوا في هذا الشهر، فإن الإناء التي علقت بنفوس الصائمين من تسويل شر لهم، وتحبيب باطل إليهم لا يخلع عنها بتصفيدهم، ولا يفارقها بل يلزمها فيكون بحالها وجود ما ذكرتم لها ومن قبلها. فأما حدوث مادة جديدة لشر مستأنف لم يكن خطر بالقلب قبل الشهر ولا تتهيب النفس عليه. فهذا لا يكون في الشهر.

فإن قيل: وماذا يعني تصفيدهم في الشهر إذا كانوا قد قدموا من الإناء ذي الفتحة، ما لزمت نفوس الآدميين، فصاروا يعملون بها في الشهر مثل ما يعلمون بها في غيره.

قيل: أن تلك الآثار تزداد بانقطاع المواد عنها ضعفًا ورضاء، ولولا ذلك لكان الناس كلهم في الشهر، كما يكون قبله أو بعده. وليس كذلك بل تباين أحوالهم في غيره مباينة شديدة. ثم المكائد المبتدأة لا تقع أصلا، فلا يحل التصفيد من أن يقع ويفيد وبالله التوفيق.

وأما قوله: (وينادي مناد يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر)، فقد يجوز أن يكون مثلا لترغيب الله تعالى الموصل في زوائد الخيرات والحسنات في هذا الشهر حتى يجازوا كأنهم ينادون كل ليلة، فيقال لهم: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. وقد يجوز أن يكون حقيقة لا مثلا، وأن يكون ملك ينادي بذلك ليزداد العباد حسدًا في الخير، وبعدًا من الشر.

فإن قيل: ما معنى هذا النداء وهم لا يسمعونه؟

قيل: ليس كذلك، لأن الصادق قد أبلغهم إياه وأخبرهم، فصاروا سامعين له، وليس كل نداء يسمع من المنادي. ولكن من سمعه من صادق فبلغه عنه، فكأنما سمعه منه، فكذلك هذا والله أعلم.

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (تعظيم قدر هذا الشهر فلم يغفر) فقال انس: (رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما الكبر عنده، فلم يغفر له، فقال: آمين. رغم انف امريء

<<  <  ج: ص:  >  >>