فإن سأل سائل فقال: رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلوات الخمس كفارة كفارات لما بينهن ما اجتنب الكبائر). وأنه قال:(الجمعة إلى الجمعة كفارة لما ببينهما ما اجتنب الكبائر). وأنه قال:(شهر رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما). وأنه قال:(صوم يوم عرفة يكفر سنتين: سنة قبلها وسنة بعدها). وأنه قال:(صوم عاشوراء كفارة السنة التي تقدمتها). وقال الله عز وجل قبل هذا كله:{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}. فأخبرونا عن هذه الأخبار كيف تلائم هذه الآية؟ وكيف يلائم بعضها بعضًا، فإن اجتناب الكبائر إذا وجب غفران الصغائر، لم يبق من الصغائر ما تكفرها الصلوات الخمس إن كفرت لم يبق وراءها ما يكفرها للجمعات ثم أن كفرت لم يبق وراءها، يكفرها صيام رمضان، ثم أن كفر لم يبق وراءها ما يكفر صوم عرفة، ثم أن كفر لم يبق وراءها ما يكفره عاشوراء. فمن أي وجه يثبت أن تكون هذه الأعمال كفارات؟
قيل له: -وبالله التوفيق -وقد يجوز أن يكون معنى هذه الأخبار أن كل واحد من الصلوات الخمس ثم الجمعات، ثم صيام رمضان ثم صيام عرفة ثم صيام عاشوراء له من القدر عند الله أن يعفي على أثر السيئات كلها بالغة ما بلغت، وكائنة ما كانت، ما لم تكن كبائر. وإذا كانت هذه المنزلة وقع بها تكفير ما يصادفه من السيئات، وما لم يصادف منها سيئات فيكفر بها انقلبت زيادة في درجات أنفسها، وهذا كما يقال: الوضوء طهارة، أو أنه رافع للحدث. أو يقال: العتق كفارة، أو الإطعام كفارة، فيكون المعنى أن هناك ما يتطهر به، أو كان ما يكفر. فإن لم يكن كان عبادة وفضلا وبرًا يوجب كصاحبة الثواب. ولولا أن هذا هكذا لما صح أن يتوضأ من لا حدث منه، فلا يعتق أو يطعم أو يكسو من لا حيث عليه، ولو حب إذا أعتق الرجل عن كفارته ولا كفارة عليه، أن لا يعتق عنده. ولما لم يكن هذا هكذا، بل كان الوضوء طهارة لم