فإن صاحبها من عليه قضاء رمضان تطوعًا، فإنه روى عن عكرمة أنه قال، مثل الذي يتطوع، وعليه قضاء رمضان، كمثل الذي يسبح وهو يئن بصوته المكتومة، يعني بالتسبيح التطوع.
وهذا الشبه إنما يصح إذا أخر قضاء رمضان حتى لم يبق إلى رمضان إلا قليل من الأيام بمقدار ما عليه صيامه، فلا يقضي ويتطوع. فأما إذا تطوع في العشر وآخر القضاء، فليس يخشي قضاء، ولكنه يريد الجمع بين التطوع والفرض في وقت. فهو كمن يركع سنة الفجر قبل فرضه أو سنة الظهر قبل فرضه، أو يتطوع بين الآذان والإقامة بما شاء والفرض أمامه والله أعلم.
ومما يدخل في هذا الباب اعتياد صوم بعينه كالاثنين والخميس. وقد روى في هذا الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل صوم يوم الاثنين والخميس فقال: كره أن بوقت يومًا بصومه.
وقال حصين بن الحر: دخلت على عمران بن حصين يوم الاثنين وهو يأكل فقال: هلم فقلت: إني صائم، فقال: لا تجعل عليك حتمة بصومه. وعن حفص بن جابر فقال: كنا نأتي أنس بن مالك، فجاء بحفنة من ثريد وجمع بينه فيجيب، فقال بإذن: يا حفص فأطعم: فقلت: إني صائم، فقال: إياك أن تكون أنيسًا أو خمينًا أو رديًا. وقال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يفرضوا على أنفسهم شيئًا لم يفترض عليهم.
وعن مجاهد أنه كان يصوم الاثنين والخميس ثم تركه، وهذا لأن في تخصيص يوم أو شهر دائمًا بالصيام، ويومين في الإفطار فيه تشبيه له برمضان، ولا ينبغي أن يشبه ما لم يشبهه الله تعالى، وهذا وجه الكراهية فيه.
وأما ما تقدم من الأخبار في ذكر الاثنين والخميس، فهو على معنى: أن من أراد صيام يوم أو يومين، فهذان أولى به مما سواهما، أو على أنه يديم صومهما ما لم يدع إلى طعام أو شراب به صنف ويجب أن يؤاكله ويدخل على ذي حرمة، فيقدم إليه طعامًا، فإما أن يتوقى الفطر فلا، وبالله التوفيق.