حاملة اللحم، واللحم أكثف من العروق فجعلت حاملة العروق، والعروق أكثف من الدم فجعلت حاملة للدم، والدم أكثف من الروح فكان حاملًا له، والروح جسم رقيق لطيف، إلا أن النفس ألطف منه، فكان الروح حاملًا للنفس. وكانت الحياة وعامة الإدراكات التي تحاذي الحياة من أوصاف النفس. فصارت الروح تحيي النفس ما دامت مجاورة لها، والبدين يحيي بالروح. فإذا انتزع الروح من البدن، مات البدن. وتبقى الروح حية بالنفس إلى أن تورد القبر مع البدن الميت وينقضي السؤال ثم يفرق بين الروح والنفس فتموت الروح.
واختلف في النفس فقيل تبقى وقيل تبطل، وهذا في غير الشهداء. فأما الشهداء فإنه لا يفرق بين أرواحهم وأنفسهم، ولكنها تنقل إلى أجواف طير خضر، كما ورد به الحديث الذي هو أولى ما يقال به، ويستسلم له. وتعلق تلك الطير من ثمر الجنة، فتستمد روحه من غذاء بدن الطائر كما كان يستمد في بدن الشهيد من غذائه، ويصل إليه لذلك من اللذة والنعمة والبهجة أضعاف ما كان يصل إليه من أطيب شيء كان يصبه البدن في الدنيا كانت مشوبة بالمضار والمفاسد، وما في الجنة منها يزداد على الأوقات طيبًا ولذة، وتكون نفسه فرحة مغتبطة بما صارت إليه، مستبشرة بما يعلمه من أحوال الذين يلحقون بهم من بعد، وأنهم صابرون إلى مثل هذا المصير، كما قال عز وجل {يزرقون}{فرحين}{ويستبشرون}. فلا يزال ذلك حال الشهيد إلى أن ينشر فتعاد روحه ونفسه إلى بدنه من غير أن يصعق عند النفخ في الصور، لقول ابن عباس رضي الله عنه في قوله {إلا من شاء الله} قال: هم الشهداء، ويحشر مع سائر أهل الحشر وينقضي الحساب والعرض، فيرد بجميع أجزائه إلى الجنة ليشترك ما كنف منها وما لطف في التنعيم بنعيمها والتلذذ بلذاتها وبالله التوفيق).