للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّيَّارَةِ وَالثَّوَابِتِ وَدَوَرَانِ فَلَكِهَا وَهَذِهِ الْأَرْضِ فِي كَثَافَتِهَا وَانْخِفَاضِهَا وَجِبَالِهَا وَبِحَارِهَا وَقِفَارِهَا وَوِهَادِهَا وَعُمْرَانِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} هَذَا يَجِيءُ ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَخْلُفُهُ الْآخَرُ. وَيَعْقُبُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ لَحْظَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٤٠] وَتَارَةً يَطُولُ هَذَا وَيَقْصُرُ هَذَا وَتَارَةً يَأْخُذُ هَذَا مِنْ هَذَا ثُمَّ يَتَعَاوَضَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} أَيْ: يَزِيدُ مِنْ هَذَا فِي هَذَا وَمِنْ هَذَا فِي هَذَا {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} أَيْ: فِي تَسْخِيرِ الْبَحْرِ بِحَمْلِ السُّفُنِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ لِمَعَايِشِ النَّاسِ وَالِانْتِفَاعِ بِمَا عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ وَنَقْلِ هَذَا إِلَى هَؤُلَاءِ {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} [يس: ٣٣] إِلَى قَوْلِهِ: {وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} . {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهَا وَأَنْوَاعِهَا وَأَلْوَانِهَا وَمَنَافِعِهَا وَصِغَرِهَا وَكِبَرِهَا وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَرْزُقُهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} . {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} فَتَارَةً تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَارَةً تَأْتِي بِالْعَذَابِ وَهِيَ الرِّيحُ وَتَارَةً تَأْتِي مُبَشِّرَاتٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّحَابِ وَتَارَةً تَسُوقُهَا وَتَارَةً تَجْمَعُهُ وَتَارَةً تُفَرِّقُهُ وَتَارَةً تَصْرِفُهُ ثُمَّ تَارَةً تَأْتِي مِنَ الشَّمَالِ وَهِيَ الشَّامِيَّةُ وَتَارَةً تَأْتِي مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَتَارَةً صَبًا وَهِيَ الشَّرْقِيَّةُ وَتَارَةً دَبُورٌ وَهِيَ غَرْبِيَّةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ {وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أَيْ: سَائِرٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مُسَخَّرٍ إِلَى مَا يَشَاءُ اللَّهُ مِنَ الْأَرَاضِي وَالْأَمَاكِنِ كَمَا يُصَرِّفُهُ تَعَالَى: {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أَيْ: فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ دَلَالَاتٌ بَيِّنَةٌ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ١ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ خَالِقًا وَصَانِعًا غَنِيًّا بِذَاتِهِ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَقِيرٌ إِلَيْهِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ لَا يَقُومُ إِلَّا بِهِ قَدِيرٌ لِذَاتِهِ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ عَاجِزٌ لَا قُدْرَةَ لَهُ إِلَّا بِمَا أَقْدَرُهُ مُتَّصِفٌ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَكُلُّ مَا سِوَاهُ فَلَازِمُهُ النَّقْصُ وَلَيْسَ الْكَمَالُ الْمُطْلِقُ إِلَّا لَهُ وَهُوَ اللَّهُ


١ بلفظه من تفسير ابن كثير "١/ ٢٠٧" إلى "١/ ٢٠٨" "تفسير آيات سورة البقرة ١٦٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>