للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِهَةِ إِشْرَاكِهِمْ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَكَذَا فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ, إِذْ أَنْوَاعُ التَّوْحِيدِ مُتَلَازِمَةٌ لَا يَنْفَكُّ نَوْعٌ مِنْهَا عَنِ الْآخَرِ, وَهَكَذَا أَضْدَادُهَا فَمَنْ ضَادَّ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّرْكِ فَقَدْ أَشْرَكَ فِي الْبَاقِي, مِثَالُ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَنِ عُبَّادُ الْقُبُورِ, إِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ: يَا شَيْخُ فُلَانُ -لِذَلِكَ الْمَقْبُورِ- أَغِثْنِي أَوِ افْعَلْ لِي كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ, يُنَادِيهِ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ تَحْتَ التُّرَابِ وَقَدْ صَارَ تُرَابًا؛ فَدُعَاؤُهُ إِيَّاهُ عِبَادَةٌ صَرَفَهَا لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُخُّ الْعِبَادَةِ, فَهَذَا شِرْكٌ فِي الْإِلَهِيَّةِ, وَسُؤَالُهُ إِيَّاهُ تِلْكَ الْحَاجَةَ مِنْ جَلْبِ خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ أَوْ رَدِّ غَائِبٍ أَوْ شِفَاءِ مَرِيضٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ, هَذَا شِرْكٌ فِي الرُّبُوبِيَّةِ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَلَكُوتِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَدْعُهُ هَذَا الدُّعَاءَ إِلَّا مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَسْمَعُهُ عَلَى الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ, فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَفِي أَيِّ مَكَانٍ وَيُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ, وَهَذَا شِرْكٌ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهُ سَمْعًا مُحِيطًا بِجَمِيعِ الْمَسْمُوعَاتِ لَا يَحْجُبُهُ قُرْبٌ وَلَا بُعْدٌ؛ فَاسْتَلْزَمَ هَذَا الشِّرْكُ فِي الْإِلَهِيَّةِ الشِّرْكَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

[الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ] :

وَالشِّرْكُ نَوْعَانِ: فَشِرْكٌ أَكْبَرُ ... بِهِ خُلُودُ النَّارِ إِذْ لَا يُغْفَرُ

وَهْوَ اتِّخَاذُ الْعَبْدِ غَيْرَ اللَّهِ ... نِدًّا بِهِ مُسَوِّيًا مُضَاهِي

"وَالشِّرْكُ" الَّذِي هُوَ ضِدُّ التَّوْحِيدِ "نَوْعَانِ" أَيْ: يَنْقَسِمُ إِلَى نَوْعَيْنِ:

"فَشِرْكٌ أَكْبَرُ" يُنَافِي التَّوْحِيدَ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُخْرِجُ صَاحِبَهُ مِنَ الْإِسْلَامِ "بِهِ خُلُودُ" فَاعِلِهِ فِي "النَّارِ" أَبَدًا "إِذْ" تَعْلِيلٌ لِأَبَدِيَّةِ الْخُلُودِ أَيْ: لِكَوْنِهِ "لَا يُغْفَرُ" قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النِّسَاءِ: ٤٨] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النِّسَاءِ: ١١٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}

<<  <  ج: ص:  >  >>