للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: إِلْحَادُ النُفَاةِ وَهُمْ قِسْمَانِ:

قِسْمٌ أَثْبَتُوا أَلْفَاظَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى دُونَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَقَالُوا: رَحْمَنٌ رَحِيمٌ بِلَا رَحْمَةٍ عَلِيمٌ بِلَا عِلْمٍ حَكِيمٌ بِلَا حِكْمَةٍ قَدِيرٌ بِلَا قُدْرَةٍ سَمِيعٌ بِلَا سَمْعٍ بَصِيرٌ بِلَا بَصَرٍ, وَاطَّرَدُوا بَقِيَّةَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى هَكَذَا وَعَطَّلُوهَا عَنْ مَعَانِيهَا وَمَا تَقْتَضِيهِ وَتَتَضَمَّنُهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ لِلَّهِ تَعَالَى, وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَنْ بَعْدَهُمْ وَإِنَّمَا أَثْبَتُوا الْأَلْفَاظَ دُونَ الْمَعَانِي تَسَتُّرًا وَهُوَ لَا يَنْفَعُهُمْ.

وَقِسْمٌ لَمْ يَتَسَتَّرُوا بِمَا تَسَتَّرَ بِهِ إِخْوَانُهُمْ بَلْ صَرَّحُوا بِنَفْيِ الْأَسْمَاءِ وَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي وَاسْتَرَاحُوا مِنْ تَكَلُّفِ أُولَئِكَ وَصَفُوا اللَّهَ تَعَالَى بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا اسْمَ لَهُ وَلَا صِفَةَ وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ جَاحِدُونَ لِوُجُودِ ذَاتِهِ تَعَالَى مُكَذِّبُونَ بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الْأَقْسَامِ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ يُكَفِّرُ مُقَابِلَهُ, وَهُمْ كَمَا قَالُوا كُلُّهُمْ كَفَّارٌ بِشَهَادَةِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْإِثْبَاتِ, الْوَاقِفِينَ مَعَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

"صِفَاتُهُ الْعُلَى" أَيْ: وَإِثْبَاتُ صِفَاتِهِ الْعُلَى الَّتِي وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ تَعَالَى وَوَصَفَهُ بِهَا نَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ, وَنُعُوتِ الْجَلَالِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ, وَصِفَاتِ الْأَفْعَالِ, مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ أَسْمَاؤُهُ بِالِاشْتِقَاقِ, كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْعُلُوِّ وَغَيْرِهَا, وَمِمَّا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَخْبَرَ بِهَا عَنْهُ رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَشْتَقَّ مِنْهُ اسْمًا كَحُبِّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُتَّقِينَ وَالْمُحْسِنِينَ وَرِضَائِهِ عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَرِضَاهُ لَهُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا, وَكَرَاهَتِهِ انْبِعَاثَ الْمُنَافِقِينَ وَسُخْطِهِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ وَإِثْبَاتِ وَجْهِهِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَيَدَيْهِ الْمَبْسُوطَتَيْنِ بِالْإِنْفَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِطَرِ السَّلِيمَةِ, وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَتْنِ فِي مَحَلِّهِ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَتْنِ فَفِي خَاتِمَةِ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

إِثْبَاتُ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى:

وَأَنَّهُ الرَّبُّ الْجَلِيلُ الْأَكْبَرُ ... الْخَالِقُ الْبَارِي وَالْمُصَوِّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>