الْإِذْنُ بِالْقِتَالِ:
وَبَعْدَهَا كُلِّفَ بِالْقِتَالِ ... لِشِيعَةِ الْكُفْرَانِ وَالضَّلَالِ
حَتَّى أَتَوْا لِلدِّينِ مُنْقَادِينَا ... وَدَخَلُوا فِي السِّلْمِ مُذْعَنِينَا
"وَبَعْدَهَا" أَيْ: بَعْدَ الْهِجْرَةِ "كُلِّفَ" أَيْ: أُمِرَ "بِالْقِتَالِ" فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "لِشِيعَةِ" أَعْوَانِ "الْكُفْرِ" بِاللَّهِ وَمَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَنَزَّلَ بِهِ كُتُبَهُ "وَالضَّلَالِ" عَنْ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ. وَكَانَ الْجِهَادُ بِمَكَّةَ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ بِمَا يَتْلُوهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ حِينِ أُنْزِلَ عَلَيْهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ} [الْمُدَّثِّرِ: ١] الْآيَاتِ, وَهِيَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ, وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ نُزُولِ الْآيَاتِ مِنْ صَدْرِ سُورَةِ الْعَلَقِ ثَلَاثُ سِنِينَ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ١, وَذَلِكَ مُدَّةَ الْفَتْرَةِ, وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ جِهَادًا لَهُمْ, فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا، وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا، فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الْفُرْقَانِ: ٥١-٥٢] . وَأَمَّا الْجِهَادُ الْمَحْسُوسُ بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مَأْمُورًا إِلَّا بِالْعَفْوِ أَوِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْجَاهِلِينَ وَالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ وَاحْتِمَالِ مَا يَلْقَى مِنْهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الْأَعْرَافِ: ١٩٩] الْآيَاتِ وَقَوْلِهِ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الْحِجْرِ: ٩٤] الْآيَاتِ, وَغَيْرَهَا. وَلِهَذَا قَالَ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ: إِنِّ آيَاتِ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ نَسَخَتْهَا آيَاتُ السَّيْفِ, فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ, وَصَارَتْ لَهُمْ دَارُ مَنَعَةٍ وَإِخْوَانُ صِدْقٍ وَأَنْصَارُ حَقٍّ, أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا
١ انظر البداية والنهاية "٣/ ٣٠١٧" والخلاف في هذه المدة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute