الَّذِينَ قَالُوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [الْأَنْعَامِ: ١٤٨] وَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُخَاصِمُونَ بِهِ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ, وَهُمُ أَعْدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَخُصُومُهُ وَهُمُ الْقَدَرِيَّةُ الْإِبْلِيسِيَةُ وَشَيْخُهُمْ إِبْلِيسُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ احْتَجَّ عَلَى اللَّهِ بِالْقَدَرِ فَقَالَ: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي} وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِالذَّنْبِ وَيَبُوءُ بِهِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ آدَمُ. فَمَنْ أَقَرَّ بِالذَّنْبِ وَبَاءَ بِهِ وَنَزَّهَ رَبَّهُ فَقَدْ أَشْبَهَ أَبَاهُ آدَمَ, وَمَنْ أَشْبَهَ أَبَاهُ فَمَا ظَلَمَ وَمَنْ بَرَّأَ نَفْسَهُ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ فَقَدْ أَشْبَهَ إِبْلِيسَ. ثُمَّ سَاقَ كَلَامًا طَوِيلًا فِي فِرَقِ الْقَدَرِيَّةِ وَضَلَالَهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فَانْظُرْ كَيْفَ انْقَسَمَتْ هَذِهِ الْمَوَارِيثُ عَلَى هَذِهِ السِّهَامِ وَوَرِثَ كُلُّ قَوْمٍ أَئِمَّتَهُمْ وَأَسْلَافَهُمْ إِمَّا فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِمْ وَإِمَّا فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَإِمَّا فِي جُزْءٍ مِنْهَا, وَهَدَى اللَّهُ بِفَضْلِهِ وَرَثَةَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ لِمِيرَاثِ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ, فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَيَكْفُرُوا بِبَعْضِ بَلْ آمَنُوا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَمَشِيئَتِهِ الْعَامَّةِ النَّافِذَةِ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ, وَأَنَّهُ مُقَلِّبُ الْقُلُوبَ وَمُصَرِّفُهَا كَيْفَ أَرَادَ, وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمُؤْمِنَ مُؤْمِنًا وَالْمُصَلِّيَ مُصَلِّيًا وَالْمُتَّقِيَ مُتَّقِيًا, وَجَعَلَ أَئِمَّةَ الْهُدَى يَهْدُونَ بِأَمْرِهِ, وَأَئِمَّةُ الضَّلَالَةِ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ, وَأَنَّهُ أَلْهَمَ كُلَّ نَفْسٍ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا, وَأَنَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ بِعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ, وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَفَّقَ أَهْلَ الطَّاعَةِ لِطَاعَتِهِ فَأَطَاعُوهُ وَلَوْ شَاءَ لَخَذَلَهُمْ فَعَصَوْهُ, وَأَنَّهُ تَعَالَى حَالَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَقُلُوبِهِمْ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فَكَفَرُوا بِهِ, وَلَوْ شَاءَ لَوَفَّقَهُمْ فَآمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ, وَأَنَّهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ, وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا إِيمَانًا يُثَابُونَ عَلَيْهِ وَيُقْبَلُ مِنْهُمْ وَيُرْضَى بِهِ عَنْهُمْ, وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ, وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ.
الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ:
وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ عِنْدَهُمْ أَرْبَعُ مَرَاتِبَ جَاءَ بِهَا نَبِيُّهُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْبَرَ بِهَا عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى:
الْأَوَّلُ: عِلْمُهُ السَّابِقُ بِمَا هُمْ عَامِلُوهُ قَبْلَ إِيجَادِهِمْ.
الثَّانِيَةُ: كِتَابَتُهُ ذَلِكَ فِي الذَّكَرِ عِنْدَهُ قبل خلق السموات وَالْأَرْضَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute