للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ, أَشَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ مِنْ قَدَرِ مَا سَبَقَ؟ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقُلْتُ: بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى عَلَيْهِمْ. قَالَ: فَقَالَ أَفَلَا يَكُونُ ظُلْمًا؟ قَالَ فَفَزِعْتُ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا وَقُلْتُ: كُلُّ شَيْءٍ خَلْقُ اللَّهِ وَمِلْكُ يده فلا يسئل عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ, فَقَالَ لِي: يرحمك الله تعالى إِنِّي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَأَلْتُكَ إِلَّا لِأَحْزُرَ عَقْلَكَ, إِنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ, أَفِي شَيْءٍ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ مِنْ قَدَرٍ قَدْ سَبَقَ أَوْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُمْ بِهِ نَبِيُّهُم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَبَتَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ: "لَا بَلْ شَيْءٌ قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَمَضَى فِيهِمْ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ": {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشَّمْسِ: ٨] ١. وَفِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسًا وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ, فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَنْزِلُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلِمَ نَعْمَلُ أَفَلَا نَتَّكِلُ قَالَ: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى إِلَى قَوْلِهِ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [اللَّيْلِ: ٥-١٠] ٢ وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهَا جُمْلَةٌ فِي إِثْبَاتِ عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ تَوْحِيدِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِثْبَاتِ.

"فَصْلٌ" الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ: الْإِيمَانُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَمْ يُفَرِّطْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الْأَنْعَامِ: ٣٨] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: ١٢] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [الْقَمَرِ: ٥٣] وَقَالَ تَعَالَى: عَنْ مُوسَى حِينَ قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى، قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ


١ مسلم "٤/ ٢٠٤١/ ح٢٦٥٠" في القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن آمه.
٢ مسلم "٤/ ٢٠٤٠/ ح٢٦٤٧" في القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، والبخاري "١١/ ٤٩٤" فيه، باب "وكان أمر الله قدرا مقدورا"، وفي التوحيد والتفسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>