للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا"١.

[دَعْوَتُهُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ]

"ثُمَّ دَعَا إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ" وَهُوَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ, وَهُوَ دِينُهُ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ "عَشْرَ سِنِينَ" دَعْوَتُهُ إِلَى التَّوْحِيدِ وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ فَقَطْ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَا غَيْرِهَا قَائِلًا: "أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبًّا تَعَالَى شَأْنُهُ" لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ "وَوَحِّدُوا" تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ. وَهَذِهِ دَعْوَةُ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ نُوحٍ إِلَى خَاتَمِهِمْ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّهُمْ يَقُولُ: {يَا قَوْم اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الْأَعْرَافِ: ٥٩] وَكَانَتِ الدَّعْوَةُ فِي أَوَّلِ الْبَعْثَةِ سِرًّا ثَلَاثَ سِنِينَ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ٢. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا زَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَخْفِيًا حَتَّى نَزَلَتْ {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الْحِجْرِ: ٩٤] ٣. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} [الشُّعَرَاءِ: ٢١٤] حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "لِمَا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشُّعَرَاءِ: ٢١٤] صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِيَ: "يَا بَنِي فَهْرٍ, يَا بَنِي عَدِيٍّ" لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا" , فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ, فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ: "أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكَنَتُّمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: نَعَمْ, مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا. قَالَ: "فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ


١ البخاري "١/ ١٨" في بدء الوحي، وفي بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ومسلم "٤/ ١٨١٦/ ح٢٣٣٣" في الفضائل، باب عرق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢ ابن هشام "١/ ٢٨٠".
٣ ابن جرير في تفسيره "١٤/ ٦٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>