للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ, فَقَالُوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ, وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ. فَقَالُوا: إِنَّ مَثَلَهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا, فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ, وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ, فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهُهَا, فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا: فَالدَّارُ الْجَنَّةُ وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ, وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ١. وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَتِمُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا بِشَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا تَتِمُّ مَحَبَّةُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَّا بِمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ وَكَرَاهَةِ مَا يَكْرَهُهُ, فَلَا طَرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يُحِبُّهُ تَعَالَى وَيَرْضَاهُ وَمَا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ, فَصَارَتْ مَحَبَّتُهُ مُسْتَلْزِمَةً لِمَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِهِ وَمُتَابَعَتِهِ؛ وَلِهَذَا قَرَنَ مَحَبَّتَهُ بِمَحَبَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ, كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التَّوْبَةِ: ٢٤] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ الَّتِي فِيهَا: مَنْ فَعَلَ ذَنْبَ كَذَا فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ, أَوْ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فَعَلَ كَذَا؛ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّصُوصِ بِأَنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ أَيْضًا مُتَفَاوِتُونَ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فِي السَّبْقِ وَارْتِفَاعِ الْمَنَازِلِ, فَيَكُونُ فَاعِلُ هَذَا الذَّنْبِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الَّتِي أعدت لمن لم يرتكبه, أو لا يدخلها في الوقت الذي يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَمْ


١ البخاري "١٣/ ٢٤٩، ٢٥٠" في الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>