للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآيَةَ١. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَا يَجْتَرِئُ عَلَى السِّحْرِ إِلَّا كَافِرٌ, وَالْفِتْنَةُ هِيَ الْمِحَنُهُ وَالِاخْتِبَارُ٢.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [الْبَقَرَةِ: ١٠٢] يَعْنِي: مِنْ حَظٍّ وَلَا نَصِيبٍ, وَهَذَا الْوَعِيدُ لَمْ يُطْلَقْ إِلَّا فِيمَا هُوَ كُفْرٌ لَا بَقَاءَ لِلْإِيمَانِ مَعَهُ, فَإِنَّهُ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا ويدخل الْجَنَّةَ, وَكَفَى بِدُخُولِ الْجَنَّةِ خَلَاقًا, وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ, ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: ١٠٢] .

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا} يُعْنَى: بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْقُرْآنِ {وَاتَّقَوْا} بِالسِّحْرِ وَسَائِرِ الذُّنُوبِ {لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: ١٠٣] وَهَذَا مِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى كُفْرِ السَّاحِرِ وَنَفْيِ الْإِيمَانِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ, فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمُؤْمِنِ الْمُتَّقِي: وَلَوْ أَنَّهُ آمَنَ وَاتَّقَى, وإنما قَالَ تَعَالَى ذَلِكَ لِمَنْ كَفَرَ وَفَجَرَ وَعَمِلَ بِالسِّحْرِ وَاتَّبَعَهُ وَخَاصَمَ بِهِ رَسُولَهُ وَرَمَى بِهِ نَبِيَّهُ وَنَبَذَ الْكِتَابَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ, وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ كَافِرًا٣. وَالصَّحِيحُ أَنَّ السِّحْرَ الْمُتَعَلَّمَ مِنَ الشَّيَاطِينِ كُلُّهُ كُفْرٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ, كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ.

[الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ: وَهُوَ عُقُوبَةُ السَّاحِرِ شَرْعًا وَوَعِيدًا] :

"وَحَدُّهُ" أَيْ: حَدُّ السَّاحِرِ "الْقَتْلُ" ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ "بِلَا نَكِيرٍ" بَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ مِنْ عُمُومِ النُّصُوصِ فِي الْكُفَّارِ الْمُرْتَدِّينَ وَغَيْرِهِمْ "كَمَا أَتَى" ثَابِتًا "فِي السُّنَّةِ الْمُصَرِّحَةِ" الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مِمَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ" مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ -بِمُهْمَلَتَيْنِ- بن مُوسَى بْنِ الضَّحَّاكِ السُّلَمِيُّ, أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ الْحَافِظُ الضَّرِيرُ, أَحَدُ الْأَعْلَامِ وَصَاحِبُ الْجَامِعِ وَالتَّفْسِيرِ عَنْ خَلْقٍ مَذْكُورِينَ فِي تَرَاجِمِهِمْ


١ ابن كثير "١/ ١٤٨". ورواه ابن جرير الطبري "١/ ٤٦١".
٢ ابن كثير "١/ ١٤٨" ورواه ابن جرير الطبري "١/ ٤٦٢".
٣ سيأتي تفصيل كلام الأئمة في هذا, من الإفصاح لابن هبيرة رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>