للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّحْمَنِ وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الْحِجْرِ: ٤٢] فَهُمُ الَّذِينَ حَقَّقُوا قَوْلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَخْلَصُوا فِي قَوْلِهَا وَصَدَّقُوا قَوْلَهُمْ بِفِعْلِهِمْ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى غَيْرِ اللَّهِ مَحَبَّةً وَرَجَاءً وَخَشْيَةً وَطَاعَةً وَتَوَكُّلًا, وَهُمُ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُمْ عِبَادُ اللَّهِ حَقًّا. فَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِلِسَانِهِ ثُمَّ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَهَوَاهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَمُخَالَفَتِهِ فَقَدْ كَذَّبَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ, وَنَقَصَ مِنْ كَمَالِ تَوْحِيدِهِ بِقَدْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ وَالْهَوَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [الْقَصَصِ: ٥٠] , {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: ٢٦] ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَيَا هَذَا كُنْ عَبْدًا لِلَّهِ لَا عَبْدًا لِلْهَوَى, فَإِنَّ الْهَوَى يَهْوِي بِصَاحِبِهِ فِي النَّارِ: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يُوسُفَ: ٣٩] , "تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ, تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ" وَاللَّهِ لا ينجو غدًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ حَقَّقَ عُبُودِيَّةَ اللَّهِ وَحْدَهُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَغْيَارِ, مَنْ عَلِمَ أَنَّ إِلَهَهُ وَمَعْبُودَهُ فَرْدٌ فَلْيُفْرِدْهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا١. انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

[[الفصل الثالث في تعريف العبادة وذكر بعض أنواعها وأن من صرف منها شيئا لغير الله فقد أشرك]]

فَصْلٌ فِي تَعْرِيفِ الْعِبَادَةِ وَذِكْرِ بَعْضِ أَنْوَاعِهَا وَأَنَّ مَنْ صَرَفَ مِنْهَا شَيْئًا لِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ:

قَدْ عَرَفْتَ مِمَّا قَدَّمْنَا فِي مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَأْلُوهُ الَّذِي تَأْلَهُهُ الْقُلُوبُ أَيْ: تَعْبُدُهُ مَحَبَّةً وَتَذَلُّلًا وَخَوْفًا وَرَجَاءً وَرَغَبًا وَرَهَبًا وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَاطِّرَاحًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتِعَانَةً بِهِ وَالْتِجَاءً إِلَيْهِ وَافْتِقَارًا إِلَيْهِ. وَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ وَمُصَوِّرِهِ وَمُصَرِّفِهِ وَمُدَبِّرِهِ, مُبْدِى الْخَلْقِ وَمُعِيدِهِ, وَمُحْيِيهِ وَمُبِيدِهِ, الْفَعَّالِ لِمَا يُرِيدُ, الَّذِي هُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ, الَّذِي لَا ملجأ ولا منجى مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ, وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا


١ جامع العلوم والحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>