للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِذَلِكَ وَطَمَّتْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ حَتَّى فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا سِيَّمَا زَمَانُنَا هَذَا, مَا مِنْ قَبْرٍ وَلَا بُقْعَةٍ يُذْكَرُ لَهَا شَيْءٌ مِنَ الْفَضَائِلِ وَلَوْ كَذِبًا إِلَّا وَقَدِ اعْتَادُوا الِاخْتِلَافَ إِلَيْهَا وَالتَّبَرُّكَ بِهَا حَتَّى جَعَلُوا لَهَا أَوْقَاتًا مَعْلُومَةً, يَفُوتُ عِيدُهُمْ بِفَوَاتِهَا وَيَرَوْنَ مِنْ أَعْظَمِ الْخَسَارَاتِ أَنْ يَفُوتَ الرَّجُلَ ذَلِكَ الْعِيدُ الْمَعْلُومُ. وَآلَ بِهِمُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ صَنَّفُوا فِي أَحْكَامِ حَجِّهِمْ إِلَيْهَا كُتُبًا سَمَّوْهَا: مَنَاسِكَ حَجِّ الْمَشَاهِدِ, وَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَهُوَ عِنْدَهُمْ أَعْظَمُ جُرْمًا مِمَّنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ, وَجَعَلُوا لَهَا طَوَافًا مَعْلُومًا كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ وَشَرَعُوا تَقْبِيلَهَا كَمَا يُقَبَّلُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ حَتَّى قَالُوا: إِنْ زُحِمْتَ فَاسْتَلِمْ بِمِحْجَنٍ أَوْ أَشِرْ إِلَيْهِ, قِيَاسًا عَلَى فِعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحِجْرِ الْأَسْوَدِ وَشَرَعُوا لَهَا نُذُورًا مِنَ الْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ, وَوَقَفُوا عَلَيْهَا الْوُقُوفَ مِنَ الْعَقَارَاتِ وَالْحَرْثِ وَغَيْرِهَا, وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِهِمُ الشَّيْطَانِيَّةِ وَقَوَاعِدِهِمُ الْوَثَنِيَّةِ. وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ فِي سَدِّ ذَرَائِعِ الشِّرْكِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي, وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[زِيَارَةُ الْقُبُورِ] :

ثُمَّ الزِّيَارَةُ عَلَى أَقْسَامِ ... ثَلَاثَةٍ يَا أُمَّةَ الْإِسْلَامِ

فَإِنْ نَوَى الزَّائِرُ فِيمَا أَضْمَرَهْ ... فِي نَفْسِهِ تَذْكِرَةً بِالْآخِرَةْ

ثُمَّ الدُّعَا لَهُ وَلِلْأَمْوَاتِ ... بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ الزَّلَّاتِ

وَلَمْ يَكُنْ شَدَّ الرِّحَالَ نَحْوَهَا ... وَلَمْ يَقُلْ هُجْرًا كَقَوْلِ السُّفَهَا

فَتِلْكَ سُنَّةٌ أَتَتْ صَرِيحَهْ ... فِي السُّنَنِ الْمُثْبِتَةِ الصَّحِيحَهْ

"ثُمَّ الزِّيَارَةُ" أَيْ: زِيَارَةُ الْقُبُورِ تَأْتِي "عَلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ":

زِيَارَةٌ سُنِّيَّةٌ, وَزِيَارَةٌ بِدْعِيَّةٌ, وَزِيَارَةٌ شِرْكِيَّةٌ, فتفهموها "يا أولي الْإِسْلَامِ".

وَالْبَدَاءَةُ بِالشَّرْعِيَّةِ لِشَرَفِهَا وَالنَّدْبِ إِلَيْهَا, ثُمَّ الْبِدْعِيَّةِ لِكَوْنِهَا أَخَفَّ جُرْمًا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>