للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمَرُنَا, فَهُوَ رَدٌّ" ١. فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَرْكَانِ شُرُوطٌ فِي الْعِبَادَةِ لَا قِوَامَ لَهَا إِلَّا بِهَا؛ فَالْعَزِيمَةُ الصَّادِقَةُ شَرْطٌ فِي صُدُورِهَا, وَالنِّيَّةُ الْخَالِصَةُ, وَمُوَافَقَةُ السُّنَّةِ شَرْطٌ فِي قَبُولِهَا, فَلَا تَكُونُ عِبَادَةً مَقْبُولَةً إِلَّا بِاجْتِمَاعِهَا, فَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ بِدُونِ صِدْقِ الْعَزِيمَةِ هَوَسٌ وَتَطْوِيلُ أَمَلٍ وَتَمَنٍّ عَلَى اللَّهِ وَتَسْوِيفٌ فِي الْعَمَلِ وَتَفْرِيطٌ فِيهِ, وَصِدْقُ الْعَزِيمَةِ بِدُونِ إِخْلَاصٍ فِيهِ يَكُونُ شِرْكًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ بِحَسَبِ مَا نَقَصَ مِنَ الْإِخْلَاصِ. فَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ أَصْلِهِ هُوَ إِرَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ فَنِفَاقٌ, وَإِنْ كَانَ دَخَلَ الرِّيَاءُ فِي تَزْيِينِ الْعَمَلِ وَكَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ أَوَّلًا إِرَادَةَ اللَّهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ كَانَ شِرْكًا أَصْغَرَ بِحَسَبِهِ حَتَّى إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْتَحَقَ بِالْأَكْبَرِ. وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ مَعَ صِدْقِ الْعَزِيمَةِ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَمَلُ عَلَى وَفْقِ السُّنَّةِ كَانَ بِدْعَةً وَحَدَثًا فِي الدِّينِ وَشَرْعَ مَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِهِ, فَيَكُونُ رَدًّا عَلَى صَاحِبِهِ وَوَبَالًا عَلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ, فَلَا يَصْدُرُ الْعَمَلُ مِنَ الْعَبْدِ إِلَّا بِصِدْقِ الْعَزِيمَةِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ وَإِتْبَاعِ السُّنَّةِ؛ وَلِذَا قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الْمُلْكِ: ٢] قَالَ: أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ٢, يَعْنِي: خَالِصًا مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ, مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ مُخُّهَا الدُّعَاءُ ... خَوْفٌ تَوَكُّلٌ كَذَا الرَّجَاءُ

وَرَغْبَةٌ وَرَهْبَةٌ خُشُوعُ ... وَخَشْيَةٌ إِنَابَةٌ خُضُوعُ

وَالِاسْتِعَاذَةُ وَالِاسْتِعَانَهْ ... كَذَا اسْتِغَاثَةٌ بِهِ سُبْحَانَهْ

وَالذَّبْحُ وَالنَّذْرُ وَغَيْرُ ذَلِكْ ... فَافْهَمْ هُدِيتَ أَوْضَحَ الْمَسَالِكْ

وَصَرْفُ بَعْضِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ ... شِرْكٌ وَذَاكَ أَقْبَحُ الْمَنَاهِي

"وَ" ثَبَتَ "فِي الْحَدِيثِ" الَّذِي فِي السُّنَنِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ "مُخُّهَا" أَيْ: مُخُّ الْعِبَادَةِ وَلُبُّهَا "الدُّعَاءُ" قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ


١ مسلم "٣/ ١٣٤٣/ ح١٧١٨" في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة.
٢ انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام "١١/ ٦٠٠" وتمامه: قيل له: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون صوابا خالصا.

<<  <  ج: ص:  >  >>