للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ, فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُنَاسًا يَأْتُونَ فَيُخْبِرُونَا أَنَّ عِنْدَكُمْ شَيْئًا لَمْ يُبْدِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنَّاسِ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [الْمَائِدَةِ: ٦٧] وَاللَّهِ مَا وَرَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ" وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ١. وَتَقَدَّمَ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ, وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [الْمَائِدَةِ: ٦٧] " الْآيَةَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ هَذَا الَّذِي بَلَّغَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى هُوَ جَمِيعُ دِينِ الْإِسْلَامِ مُكْمَلًا مُحْكَمًا لَمْ يَبْقَ فِيهِ نَقْصٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَكْمِيلٍ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ إِشْكَالٌ فَيَحْتَاجُ إِلَى حَلٍّ, وَلَا إِجْمَالٌ فَيَفْتَقِرُ إِلَى تَفْصِيلٍ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الْأَنْعَامِ: ٣٨] فَكَمَا أَنَّ الْإِمَامَ الْمُبِينَ قَدْ أَحْصَى كُلَّ مَا هُوَ كَائِنٌ, كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, فَكَذَلِكَ هَذَا الْقُرْآنُ وَافٍ شَافٍ كَافٍ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَفُرُوعِهَا وَأَقْوَالِهَا وَأَعْمَالِهَا وَسِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا, فَمَنْ لَمْ يَكْفِهِ فَلَا كُفِيَ, وَمَنْ لَمْ يَشْفِهِ فَلَا شُفِيَ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: ٥١] {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} وَكَمَا وَفَّى بِتَقْرِيرِ الدِّينِ وَتَكْمِيلِهِ وَشَرْحِهِ وَتَفْصِيلِهِ كَذَلِكَ هُوَ وَافٍ بِالذَّبِّ عَنْهُ وَبِرَدِّ كُلِّ شُبْهَةٍ تَرِدُ عَلَيْهِ, وَبِقَمْعِ كُلِّ مُلْحِدٍ وَمُعَانِدٍ وَمُشَاقٍّ وَمُحَادٍّ, وَبِدَمْغِ كُلِّ بَاطِلٍ وَإِزْهَاقِهِ {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الْفُرْقَانِ: ٣٣] {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الْأَنْبِيَاءِ: ١٨] {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحِجْرِ: ٩] ,


١ أخرجه ابن أبي حاتم "ابن كثير "٢/ ٨٠" والدر المنثور "٣/ ١١٧" إسناده جيد هو قول ابن كثير رحمه الله في تفسيره.
٢ تقدم تخريجه سابقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>