{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فُصِّلَتْ: ٤٠-٤٤] .
وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهَا, هِيَ رُوحُ الْمَعَانِي وَالْوَحْيُ الثَّانِي, وَالْحِكْمَةُ وَالْبَيَانُ وَتِبْيَانُ الْقُرْآنِ, وَالنُّورُ وَالْبُرْهَانُ. فَلَمْ يُتَوَفَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَيَّنَ الشَّرِيعَةَ أَكْمَلَ بَيَانٍ, وَلَمْ يَكُنْ لِيَتَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ بَيَانِ مَا بِالنَّاسِ إِلَيْهِ حَاجَةً فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ, وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النَّحْلِ: ٦٤] وَيَقُولُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النَّحْلِ: ٤٤] ثُمَّ يُخْبِرُ أَنَّهُ مَا أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِذَلِكَ, فَكَيْفَ يَتَوَفَّاهُ قَبْلَ إِنْفَادِ ذَلِكَ وَإِنْجَازِهِ, مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِأُمَّتِهِ كُلِّهِمْ: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: ١٥١] فَكَيْفَ يَعِدُنَا تَعَالَى بِإِتْمَامِ النِّعْمَةِ وَإِكْمَالِ الدِّينِ ثُمَّ يَتَوَفَّى رَسُولَهُ قَبْلَ إِنْجَازِ ذَلِكَ وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ {لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} ؟ وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا مَا تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى بَلَّغَ مَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ أَكْمَلَ بِلَاغٍ وَبَيَّنَهُ أَتَمَّ بَيَانٍ وَفَصَّلَهُ أَوْضَحَ تَفْصِيلٍ وَأَكْمَلَ بِهِ الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ وَلِهَذَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ مَا أَنْزَلَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ هُوَ وَأُمَّتُهُ وَهَدَاهُمْ لَهُ فِي أَشْرَفِ مَوْقِفٍ وَأَفْضَلِ عَشِيَّةٍ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ الْأَعْظَمِ الَّذِي لَمْ يَتَّفِقْ وُقُوعُ مِثْلُهُ وَلَمْ يَتَّفِقْ أَكْثَرُ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَهُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute