للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِكُلِّ عَاقِلٍ فَإِنَّ الْفِعْلَ إِنَّمَا يُضَافُ إِلَى مَنْ قَامَ بِهِ وَالْقَوْلَ إِلَى مَنْ قَالَهُ وَكَذَا السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْقُدْرَةُ وَغَيْرُهَا مُحَالٌ أَنْ تُضَافَ إِلَى غَيْرِ مَنْ قَامَتْ بِهِ وَمُحَالٌ أَنَّ يُسَمَّى فَاعِلًا بِدُونِ فِعْلٍ يَقُومُ بِهِ, وَلَوْ ذَهَبْنَا نَعُدُّ تَشَعُّبَ الْفِرَقِ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ وَلَوَازِمَ كُلِّ قَوْلٍ مِمَّا انْتَحَلُوهُ لَاحْتَاجَ إِلَى كِتَابٍ مُفْرَدٍ, وَقَدْ أَفْرَدَ ذَلِكَ بِالتَّصْنِيفِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ, وَقَدْ قَدَّمْنَا الْبَعْضَ مِنْ ذَلِكَ وَذَكَرْنَا أَمْثِلَةً مِنْ تَحْرِيفِهِمُ النُّصُوصَ, وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الدَّهْرِيَّةِ فِي الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ, وَعَلَى نُفَاةِ الْقَدَرِ وَالْغُلَاةِ فِيهِ فِي بَابِ الْقَدَرِ, وَالْكَلَامُ عَلَى الْخَوَارِجِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَأَشْبَاهِهِمْ فِي بَابِ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ, وَالْكَلَامُ عَلَى الرَّوَافِضِ وَالنَّوَاصِبِ فِي بَابِ ذِكْرِ الصَّحَابَةِ. وَهَذِهِ الطَّوَائِفُ الَّتِي خَالَفَتْ فِي تَوْحِيدِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِثْبَاتِ مَرْجِعُهَا إِلَى ثَلَاثٍ: فَالْحُلُولِيَّةُ وَالِاتَّحَادِيَّةُ وَالسَّلْبِيَّةُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مَرْجِعُهُمْ إِلَى الطَّبَائِعِيَّةِ الدَّهْرِيَّةِ, وَالْقَدَرِيَّةُ النُّفَاةُ بِجَمِيعِ فِرَقِهِمْ مَرْجِعُهُمْ إِلَى الْمَجُوسِ الثَّنَوِيَّةِ, وَالْجَبْرِيَّةُ الْغُلَاةُ مَرْجِعُهُمْ إِلَى النَّزْعَةِ الْجَهْمِيَّةِ الْإِبْلِيسِيَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مَبْسُوطًا بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.

فصل:

وَالْمُخَالِفُونَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْقُرْآنِ سَبْعُ طَوَائِفَ ذَكَرَهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمِنْهَاجِ١ وَابْنُ الْقَيِّمِ فِي الصَّوَاعِقِ وَهَذَا نَصُّهُ, قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

"فصل٢. اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأَرْضِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى, فَذَهَبَ "الِاتِّحَادِيَّةُ" الْقَائِلُونَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُ اللَّهِ نَظْمَهُ وَنَثْرَهُ وَحَقَّهُ وَبَاطِلَهُ سِحْرَهُ وَكُفْرَهُ, وَالسَّبَّ وَالشَّتْمَ وَالْهَجْرَ وَالْفُحْشَ وَأَضْدَادَهُ كُلُّهُ عَيْنُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمِ بِهِ كَمَا قَالَ عَارِفُهُمْ:

وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ

وَهَذَا الْمَذْهَبُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِمُ الَّذِي أَصَّلُوهُ, وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ عَيْنُ هَذَا الْوُجُودِ, فَصِفَاتُهُ هِيَ صِفَاتُ اللَّهِ وَكَلَامُهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَصْلُ هَذَا الْمَذْهَبِ


١ أي: منهاج السنة النبوية.
٢ مختصر الصواعق المرسلة "من ٢/ ص٢٨٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>