للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ". قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ١. وَلِلنَّسَائِيِّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ حَدِيثِ رَجُلَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ, وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مُخْلِصًا بِهَا قَلْبُهُ, يُصَدِّقُ بِهَا لِسَانَهُ إِلَّا فَتَقَ اللَّهُ لَهَا السَّمَاءَ فَتْقًا حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى قَائِلِهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ, وَحُقَّ لَعَبْدٍ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ سُؤْلَهُ" ٢.

"وَ" السَّابِعُ "الْمَحَبَّةُ" لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَلِمَا اقْتَضَتْهُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ وَلِأَهْلِهَا الْعَامِلِينَ بِهَا الْمُلْتَزِمِينَ لِشُرُوطِهَا, وَبُغْضٍ مَا نَاقَضَ ذَلِكَ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [الْبَقَرَةِ: ١٦٥] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [الْمَائِدَةِ: ٥٤] ، فَأَخْبَرَنَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَشَدُّ حُبًّا لَهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُشْرِكُوا مَعَهُ فِي مَحَبَّتِهِ أَحَدًا كَمَا فَعَلَ مُدَّعُو مَحَبَّتِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دونه أندادا يحبونهم كَحُبِّهِ, وَعَلَامَةُ حُبِّ الْعَبْدِ رَبَّهُ تَقْدِيمُ مُحَابِّهِ وَإِنْ خَالَفَتْ هَوَاهُ وَبُغْضُ مَا يُبْغِضُ رَبُّهُ وَإِنَّ مَالَ إِلَيْهِ هَوَاهُ, وَمُوَالَاةُ مَنْ وَالَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُ, وَاتِّبَاعُ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقْتِفَاءُ أَثَرِهِ وَقَبُولُ هُدَاهُ. وَكُلُّ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ شُرُوطٌ فِي الْمَحَبَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْمَحَبَّةِ مع عدم وجود شَرْطٍ مِنْهَا, قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الْفَرْقَانِ: ٤٣] الْآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الْجَاثِيَةِ: ٢٣] ، فَكُلُّ مَنْ عَبَدَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَبْدٌ لِهَوَاهُ, بَلْ كُلُّ مَا عَصَى اللَّهَ بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ فَسَبَبُهُ تَقْدِيمُ الْعَبْدِ هَوَاهُ عَلَى أَوَامِرِ


١ تقدم قبل قليل.
٢ النسائي في عمل اليوم والليلة "ح٢٨" وسنده ضعيف فيه محمد بن عبد الله بن ميمون بن مسيكة ويعقوب بن عاصم, وهما مقبولان كما قال الحافظ: "إذا توبعا, وإلا فلينان".

<<  <  ج: ص:  >  >>