للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي مَجْلِسٍ فَسَارَّهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ, فَجَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "؟ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ "؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "أَلَيْسَ يُصَلِّي"؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا صَلَاةَ لَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ" ١.

وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَادِيثُ مِنَ الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ. وَأَمَرَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ المنافقين في غيرما مَوْضِعٍ مَعَ إِخْبَارِهِ بِصِفَاتِهِمْ وَتَعْرِيفِهِ بِسِيمَاهُمْ وَعَلَامَاتِهِمْ, وَلَمْ يَقْتُلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدًا مِنْهُمْ, وَأَجْرَى عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامَ الْمُسْلِمِينَ الظَّاهِرَةَ, وَكَانُوا يَخْرُجُونَ مَعَهُ لِلْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ, غَيْرَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَرْتَبَةُ الْإِحْسَانِ] :

"وَالْإِحْسَانِ" هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ مَرَاتِبِ الدِّينِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَالْإِحْسَانُ لُغَةً: إِجَادَةُ الْعَمَلِ وَإِتْقَانُهُ وَإِخْلَاصُهُ, وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ مَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَحْثُهُ, وَالنُّصُوصُ فِيهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ فِي آخِرِ هَذَا الْفَصْلِ.


١ رواه مالك في الموطأ "١/ ١٧١/ ح٨٤" في قصر الصلاة في السفر، باب جامع الصلاة. قال ابن عبد البر: هكذا رواه سائر رواة الموطأ مرسلا وعبيد الله لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه أحمد "٥/ ٤٣٢، ٤٣٣" وعبيد الله قتل أبوه ببدر، وكان هو في الفتح مميزا فعد في الصحابة لذلك, وهو غلط كما قال الحافظ في الإصابة "٣/ ٧٤". وعده العجلي وغيره في ثقات كبار التابعين، مات في آخر خلافة الوليد بن عبد الملك, وأخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي كما في التقريب, فهو تابعي ثقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>