للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفْنَى عَجَائِبُهُ, وَلَا يُدْرَكُ غَايَةُ إِعْجَازِهِ, وَلَا يَنْدَرِسُ بِمُرُورِ الْأَعْصَارِ, وَلَا يُمَلُّ مَعَ التَّكْرَارِ. بَلْ يُجْلَى مَعَ ذَلِكَ وَيَتَجَلَّى وَيَعْلُو عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُعْلَى, وَكُلُّ مُعْجِزَةٍ قَبْلَهُ انْقَضَتْ بِانْقِضَاءِ زَمَانِهَا وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا تِذْكَارُهَا, وَهُوَ كُلَّ يَوْمٍ بَرَاهِينُهُ فِي مَزِيدٍ وَمُعْجِزَاتُهُ فِي تَجْدِيدٍ {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: ٤٢] .

وَقَدْ ظَهَرَتْ فَضِيلَتُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ إِمَامًا, وَعُلُوِّهِ فَوْقَ الْجَمِيعِ مَقَامًا حَتَّى جَاوَزَ السَّبْعَ الطِّبَاقَ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, وَاخْتُصَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَشْيَاءَ أُخَرَ فِي سَمَاحَةِ شَرِيعَتِهِ, وَوَضْعِ الْآصَارِ عَنْ أُمَّتِهِ وَكَوْنِهِ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا, وَكَذَلِكَ يَبْدُو فَضْلُهُ فِي الْآخِرَةِ بِكَوْنِهِ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ, وَأَوَّلَ شَافِعٍ وَأَوَّلَ مُشَفَّعٍ وَأَوَّلَ مَنْ يَسْتَفْتِحُ بَابَ الْجَنَّةِ وَأَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنَ الْأُمَمِ أُمَّتُهُ, وَلَهُ الْحَوْضُ الْمَوْرُودُ وَهُوَ الْكَوْثَرُ, وَهُوَ أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ وَارِدًا, وَلَهُ اللِّوَاءُ الْمَعْقُودُ وَهُوَ لِوَاءُ الْحَمْدِ تَحْتَهُ آدَمَ فَمَنْ دُونَهُ. وَلَهُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ, وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ كُلُّ الْخَلَائِقِ حَتَّى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ, وَهُوَ وَأُمَّتُهُ أَوَّلُ مَنْ يَجُوزُ الصِّرَاطَ وَهُمْ ثُلْثُ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ لِمَا جَاءَ أَنَّهُمْ ثَمَانُونَ صَفًّا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ أَرْبَعُونَ صَفًّا, وَهَذِهِ عِدَّةُ صُفُوفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ صَفًّا, وَيَشْفَعُ الْوَاحِدُ مِنْ أُمَّتِهِ فِي مِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ, وَلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَسِيلَةُ وَهِيَ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ لَيْسَ فَوْقَهَا إِلَّا عَرْشُ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ, وَلَيْسَتْ هِيَ لِأَحَدٍ غَيْرَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَقَامَاتِهِ الْعَلِيَّةِ الَّتِي لَا يَنَالُهَا غَيْرُهُ وَلَا يُدْرِكُهَا سِوَاهُ, وَهَذَا مَقَامٌ يَطُولُ ذكره ولا يقدر قدره. وَلَا يُحِيطُ بِغَايَتِهِ إِلَّا الَّذِي اصْطَفَاهُ لَهُ, وَأَكْرَمَهُ بِهِ. جَعَلَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّنِ اقْتَدَى بِهِ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ وَكَانَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ آمِينَ.

مَسْأَلَةٌ:

فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ, فَقَالَ: لَا, وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَامَ فَلَطَمَ خَدَّهُ وَقَالَ: تَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>