[التَّعْرِيفُ بِالشِّرْكِ] :
"وَهُوَ" أَيِ: الشِّرْكُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَتْنِ وَذِكْرُ النُّصُوصِ فِيهِ فِي الشَّرْحِ "اتِّخَاذُ الْعَبْدِ غَيْرَ اللَّهِ" مِنْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ مَلَكٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ نَارٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ كَوْكَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. "نِدًّا" مِنْ دُونِ اللَّهِ "مُسَوِّيًا بِهِ" اللَّهَ يُحِبُّهُ كَحُبِّ اللَّهِ وَيَخَافُهُ وَيَخْشَاهُ كَخَشْيَةِ اللَّهِ وَيَتَّبِعُهُ عَلَى غَيْرِ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَيُطِيعُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَيُشْرِكُهُ فِي عبادة الله "مضاهي" بِهِ اللَّهَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: ١٦٥] ، وَحَكَى عَنْهُمْ فِي اخْتِصَامِهِمْ فِي النَّارِ: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ، تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشُّعَرَاءِ: ٩٦-٩٨] ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّهُمْ لَمْ يُسَوُّوهُمْ بِهِ فِي خَلْقٍ وَلَا رِزْقٍ وَلَا إِحْيَاءٍ وَلَا إِمَاتَةٍ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ تَدْبِيرِ الْمَلَكُوتِ, بَلْ أَخْبَرَنَا أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ لِلَّهِ تَعَالَى بِالرُّبُوبِيَّةِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ} [الزُّخْرُفِ: ٩] ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ, وَلَكِنَّهُمْ سَوَّوْهُمْ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي حُبِّهِمْ إِيَّاهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا الْمَحَبَّةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ, وفي خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ وَخَشْيَتِهِمْ كَخَشْيَةِ اللَّهِ وَلَمْ يَجْعَلُوا الْخَشْيَةَ لِلَّهِ وَالْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ, وَأَشْرَكُوهُمْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَلَمْ يُفْرِدُوا اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ, مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمُ اسْتِقْلَالًا بَلْ زَعَمُوهُمْ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ لِيُقَرِّبُوهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى, وَلَكِنِ اعْتَقَدُوا تِلْكَ الشَّفَاعَةَ وَالتَّقْرِيبَ ملكا للمخلوق ويطلبونه مِنْهُ, وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ بِدُونِ إِذْنِ اللَّهِ, وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يُونُسَ: ٣] وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى اسْتِشْفَاعَهُمْ ذَلِكَ شِرْكًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يُونُسَ: ١٨] فَجَمَعُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ شِرْكَيْنِ: الْأَوَّلُ: عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَالثَّانِي: جَعْلُهُمْ شُفَعَاءَ بِدُونِ إِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute