للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا، قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا، إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} [الْجِنِّ: ٢٠-٢٣] الْآيَاتِ, وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الْأَحْقَافِ: ٩] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٤٤] الْآيَاتِ, وَقَدْ تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ, مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ, وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ, إِلَى آخَرِ خُطْبَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ١. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ, كَثِيرَةٌ النُّصُوصُ فِيهِ, بَلْ لَيْسَتِ النُّصُوصُ إِلَّا فِيهِ وَفِي مُتَعَلِّقَاتِهِ وَمُكَمِّلَاتِهِ.

[[اغترار الأمة بإبليس ومخالفتهم نهي الرسول وتحذيره]]

"فَغَرَّهُمْ" أَيْ: أَكْثَرَ الْأُمَّةِ بَعْدَمَا سَمِعُوا الزَّوَاجِرَ وَالنَّوَاهِيَ "إِبْلِيسُ" لَعَنَهُ اللَّهُ وَأَعَاذَنَا مِنْهُ "بِاسْتِجْرَائِهِ" أَيْ: بِاسْتِهْوَائِهِ إِيَّاهُمْ وَاسْتِدْرَاجِهِ لَهُمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي الْهَلَكَاتِ شَيْئًا فَشَيْئًا, كَمَا فَعَلَ بِالْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَوْمِ نُوحٍ فَمَنْ بَعْدَهُمْ, وَأَتَاهُمْ عَلَى مَا يهوون إما بغلو وأما بِجَفَاءٍ, لَا يُبَالِي مَا أَهْلَكَ الْعَبْدَ بِهِ سَوَاءٌ قَصَرَهُ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَهَوَّنَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ حَتَّى لَا يَدْخُلَهُ وَلَا يَسْلُكَهُ أَوْ جَاوَزَهُ بِهِ حَتَّى يَتَّبِعَ سَبِيلَ الضلال فتفرق به عَنْ سَبِيلِهِ, فَالَّذِينَ أَبْغَضُوا الرُّسُلَ مِنَ الْكُفَّارِ وَعَادُوهُمْ وَنَابَذُوهُمْ بِالْمُحَارَبَةِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ زَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَضَرَبَ لَهُمُ الْأَمْثِلَةَ وَالْمَقَايِيسَ, وَأَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ بِشْرٌ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ, وَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوهُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ وَيَتَنَقَّصُوا شُيُوخَهُمْ بِذَلِكَ وَتَكُونَ لَهُمُ الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَالَّذِينَ صَدَّقُوا الرُّسُلَ وَاتَّبَعُوهُمْ أَتَى الْكَثِيرَ مِنْ خُلُوفِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الْغُلُوَّ فِيهِمْ بِالْكَذِبِ وَالْقَوْلِ عَلَيْهِمْ بِالْبُهْتَانِ وَرَفْعِهِمْ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِمُ الَّتِي أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, وَأَتَاهُمْ بِذَلِكَ فِي صُورَةِ مَحَبَّتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ حَتَّى جَعَلَهُمْ مِثْلَهُ فِي الْبُعْدِ عَنِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا عِبَادُ اللَّهِ الْمُخْلَصُونَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ صِرَاطَهُ


١ تقدمت في كلام المصنف في علو الله على خلقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>