الْمُسْتَقِيمَ, فَلَمْ يَقْصُرُوا عَنْهُ وَلَمْ يَسْتَبْدِلُوا بِهِ غَيْرَهُ, بَلِ اسْتَمْسَكُوا بِهِ وَاعْتَصَمُوا: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٠١] {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النِّسَاءِ: ٦٩] .
"فَخَالَفُوهُ" أَيِ: الَّذِينَ اسْتَهْوَاهُمُ الشَّيْطَانُ خَالَفُوا النَّصَّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ "جَهْرَةً وَارْتَكَبُوا مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ" مِنَ الْغُلُوِّ وَالْإِطْرَاءِ وَمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ "وَلَمْ يَجْتَنِبُوا" ذَلِكَ وَلَا شَيْئًا, فَنَهَى عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَهَؤُلَاءِ لَا يَحْلِفُونَ إِلَّا بِغَيْرِهِ, وَقَدْ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ عَلَى الْكَذِبِ وَلَا يَحْلِفُونَ بِالنِّدِّ فَيَكْذِبُونَ. وَنَهَى أَنْ تُقْرَنَ مَشِيئَةُ الْعَبْدِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى, وَهَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ, وَيَهْتِفُونَ بِاسْمِهِ فِي الْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَيَسْأَلُونَ مِنْهُمْ قَضَاءَ الْحَوَائِجِ دُونَ ذِي الْجَلَالِ, بَلْ يَعْتَقِدُ فِيهِمُ الْغُلَاةُ مِنْهُمْ أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْكَوْنِ وَالْمُدَبِّرُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ. وَدَعَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَدُعَائِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, فَدَعَوْا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ, حَتَّى دَعَوُا الرَّسُولَ الْآتِي بِذَلِكَ نَفْسَهُ مَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَنَهَى عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَهَؤُلَاءِ يَعْكُفُونَ عَلَيْهَا وَيُصَلُّونَ عَلَيْهَا وَإِلَيْهَا, بَلْ وَلَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُفَضِّلُونَ الصَّلَاةَ فِيهَا عَلَى مَسَاجِدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي بُنِيَتْ لِذَلِكَ. وَنَهَى أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ أَوْ يُبْنَى عَلَيْهَا, وَهَؤُلَاءِ قَدْ ضَرَبُوا عَلَيْهَا الْقِبَابَ وَزَخْرَفُوهَا, وَحَبَسُوا عَلَيْهَا الْعَقَارَاتِ وَغَيْرِهَا وَأَوْقَفُوهَا, وَجَعَلُوا لَهَا النُّذُورَ وَالْقُرُبَاتِ, وَكَمْ عِبَادَةٍ إِلَيْهَا دُونَ اللَّهِ صَرَفُوهَا, وَنَهَى عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا وَلَعَنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَدَعَا عَلَيْهِ بِالْغَضَبِ, وَهَؤُلَاءِ قَدْ بَنَوْا عَلَيْهَا وَرَأَوْهَا مِنْ أَكْبَرِ حَسَنَاتِهِمْ وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بِنَائِهِمْ عَلَيْهَا إِلَّا مَوْتُ أَهْلِهَا أَوْ حُلْمٌ يَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِيهِ أَوْ خَيَالٌ أَوْ سَمَاعُ صَوْتٍ فَيُسَارِعُونَ إِلَى ذَلِكَ أَسْرَعَ مِنْ مُسَارَعَةِ أَهْلِ الدِّينِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَنَهَى عَنْ إِيقَادِ السُّرُجِ عليها وهؤلاء يوقفون الْوُقُوفَ عَلَى تَسْرِيجِهَا وَيَجْعَلُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشُّمُوعِ وَالْقَنَادِيلِ مَا لَمْ يَجْعَلُوهُ فِي مَسَاجِدِ اللَّهِ, وَكَأَنَّمَا نَدَبَهُمُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ذَلِكَ بِتِلْكَ اللَّعْنَةِ الَّتِي عَنَى بِهَا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute