للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ" ١ الْحَدِيثَ, وَهَؤُلَاءِ يَضْرِبُونَ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إِلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ أَوْ مَنْ يَظُنُّونَهُمْ صَالِحِينَ مَسَافَةَ الْأَيَّامِ وَالْأَسَابِيعِ وَالشُّهُورِ, وَيَرَوْنَ ارْتِكَابَ ذَلِكَ الْمَنْهِيِّ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ. وَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اتِّخَاذِهَا أَعْيَادًا٢, وَهَؤُلَاءِ قَدْ اتَّخَذُوهَا أَعْيَادًا وَمَعَابِدَ لَا بَلْ مَعْبُودَاتٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَوَقَّتُوا لَهَا الْمَوَاقِيتَ زَمَانًا وَمَكَانًا وَصَنَّفُوا فِيهَا مَنَاسِكَ حَجِّ الْمَشَاهِدِ وَحَجُّوا إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا يُحَجُّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ, بَلْ رَأَوْهَا أَوْلَى بِالْحَجِّ مِنْهُ وَرَأَوْا مَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَنَاسِكِهَا أَعْظَمَ جُرْمًا مِمَّنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ, حَتَّى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ حَجَّ عَشَرَاتِ الْمَرَّاتِ أَوْ أَكْثَرَ يُبَايِعُ مَنْ شَهِدَ أَحَدَ الْمَشَاهِدِ أَنْ يُعَاوِضَهُ بِجَمِيعِ حِجَجِهِ بِتِلْكَ الزِّيَارَةِ فَيَمْتَنِعُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ, وَيَخْشَعُونَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا يُخْشَعُ عِنْدَ شَعَائِرِ اللَّهِ, وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ" ٣ وَهَؤُلَاءِ قَدْ أَطْرَوْا مَنْ هُوَ دُونَهُ مَنْ أَمَّتِهِ بِكَثِيرٍ بَلْ قَدْ أَطْرَوْا مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ أَعْظَمَ مِنْ إِطْرَاءِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ, بَلْ جَعَلُوهُ هُوَ الرَّبُّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ, وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاللَّهِ" ٤. هؤلاء قَدِ اسْتَغَاثُوا بِغَيْرِ اللَّهِ سِرًّا وَجَهْرًا وَهَتَفُوا بِاسْمِ غَيْرِ اللَّهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَأَخْلَصُوا لَهُمُ الدُّعَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَرَفُوا إِلَيْهِمْ جُلَّ الْعِبَادَاتِ؛ مِنَ الصَّلَاةِ وَالنَّذْرِ وَالنُّسُكِ وَالطَّوَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ أَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ قَالَ: لَوْلَا اللَّهُ وَفُلَانٌ, فَكَيْفَ بِمَنْ يَقُولُ: يَا فُلَانُ مَا لِي سِوَاكَ, وَيَقُولُ: قَدِ اسْتَغَثْتُ اللَّهَ فَلَمْ يُغِثْنِي حَتَّى اسْتَغَثْتُ فُلَانًا فَأَغَاثَنِي؟! وَإِنَّهُ لَيَعْصِي اللَّهَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُخَالَفَةِ شَيْءٍ مِمَّا يَنْسِبُونَهُ إِلَى وَلِيِّهِ من الأكاذيب المختلقة وَالْحِكَايَاتِ الْمُلَفَّقَةِ وَتَرَى أَكْثَرَ مَسَاجِدِ اللَّهِ الْمَبْنِيَّةِ لِلصَّلَوَاتِ مُعَطَّلَةً حِسًّا وَمَعْنًى, وَفِيهَا مِنَ الْأَزْبَالِ وَالْكِنَاسَاتِ وَالْأَوْسَاخِ مَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى, فَإِذَا أَتَيْتَ قِبَابَ الْمَقَابِرِ وَالْمَسَاجِدَ الْمَبْنِيَّةِ عَلَيْهَا رَأَيْتَ بِهَا مِنَ الزِّينَةِ وَالزَّخَارِفِ وَالْأَعْطَارِ وَالزَّبْرَقَةِ وَالسُّتُورِ الْمُنَقَّشَةِ الْمُعَلَّمَةِ


١ تقدم ذكره.
٢ تقدمت أدلته.
٣ تقدم قبل قليل.
٤ تقدم قبل قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>