للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرَصَّعَةِ وَالْأَبْوَابِ الْمُفَصَّصَةِ الْمُحْكَمَةِ, وَلَهَا مِنَ السَّدَنَةِ وَالْخُدَّامِ مَا لَمْ تَجِدْهُ فِي بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ, والداخل إِلَيْهَا وَالْخَارِجُ مِنْهَا مِنَ الزُّوَّارِ مَا لَا تُحْصِيهِمُ الْأَقْلَامُ وَعَلَيْهَا مِنَ الْأَكْسِيَةِ وَالرَّايَاتِ وَالْأَعْلَامِ مَا لَوْ قُسِّمَ لَاسْتَغْنَى بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ, فَمَا ظَنُّكَ بِالْوُقُوفِ الْمُحْبَسَةِ عَلَيْهَا وَالْأَمْوَالِ الْمَجْبِيَّةِ إِلَيْهَا مِنَ الثِّمَارِ وَالنُّقُودِ وَالْأَنْعَامِ, فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. فَأَيُّ فَاقِرَةٍ عَلَى الدِّينِ أَصْعَبُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ؟! وَهَلْ جَنَى الْأَخَابِثُ عَلَى الدِّينِ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ؟! وَهَلِ اسْتَطَاعَ الْأَعْدَاءُ مِنْ هَدْمِ قَوَاعِدِ الدِّينِ مَا هَدَمَهُ هَؤُلَاءِ الضُّلَّالُ؟! وَهَلْ تَلَاعَبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدٍ مَا تَلَاعَبَ بِهَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ؟! فَأَيُّ مُنَافٍ لِلتَّوْحِيدِ وَأَيُّ مُنَاقِضٍ لَهُ أَقْبَحُ مِنْ هَذَا الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ! تَاللَّهِ مَا قَوْمُ نُوحٍ وَلَا عَادٌ وَلَا ثَمُودُ وَلَا أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ بِأَعْظَمَ شِرْكًا وَلَا أَشَدَّ كُفْرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِيدِ وَلَيْسَ أُولَئِكَ بِأَحَقَّ مِنْهُمْ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ وَلَيْسَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ خَيْرًا مِنْ أُولَئِكَ وَلَا بَرَاءَةَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَعِيدِ, وَلَكِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ وَلَا يُهْمِلُ وَمَا بَطْشُهُ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هُودٍ: ١٠٢] .

فَانْظُرْ إِلَيْهِمْ قَدْ غَلَوْا وَزَادُوا ... وَرَفَعُوا بِنَاءَهَا وَشَادُوا

بِالشِّيدِ وَالْآجُرِّ وَالْأَحْجَارِ ... لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ

"فَانْظُرْ" أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ "إِلَيْهِمْ" وَإِلَى أَعْمَالِهِمْ "قَدْ غَلَوْا" فِي أَهْلِ الْقُبُورِ الْغُلُوَّ الْمُفْرِطَ الَّذِي نَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ "وَزَادُوا" عَمَّا حَذَّرَهُمْ عَنْهُ الرُّسُلُ "وَرَفَعُوا بِنَاءَهَا" أَيْ: بِنَاءَ الْقُبُورِ الْمَنْهِيَّ عَنْ مُجَرَّدِهِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ "وَشَادُوا" أَيْ: ضَرَبُوهُ "بِالشِّيدِ" وَهُوَ الْجِصُّ "وَالْآجُرِّ" اللَّبِنُ الْمَحْرُوقُ "وَالْأَحْجَارِ" الْمُنَقَّشَةِ الْمُزَخْرَفَةِ "لَا سِيَّمَا" بِزِيَادَةٍ "فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ" الْقَرِيبَةِ بَعْدَ ظُهُورِ دَوْلَةِ الْعَبِيدِيِّينَ١ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ: ظَاهِرُهُمُ الرَّفْضُ وَبَاطِنُهُمُ الْكُفْرُ الْمَحْضُ, فَاعْتَنَوْا


١ وهي الدولة التي تسمَّت باسم الفاطميين؛ نسبة لآل البيت, وأنى لهم ذلك وسيدهم يهودي "عبد الله بن ميمون القداح" وهي دولة إسماعيلية نزاريَّة ومنها انبثقت الدرزية الملحدة بأمر إمامها الحاكم بأمر الله الفاطمي, وملكت في مصر حتى أباد شوكتهم الملك المجاهد صلاح الدين الأيوبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>