للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِبِنَاءِ الْقِبَابِ عَلَى الْقُبُورِ وَزَخْرَفَتِهَا وَتَشْيِيدِهَا وَجَعْلِهَا مَشَاهِدَ, وَنَدَبُوا النَّاسَ إِلَى زِيَارَتِهَا وَأَتَوْا بِذَلِكَ بِاسْمِ مَحَبَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَكُلُّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِنَ الدُّوَلِ الْمُبْتَدِعَةِ زَادَ فِيهَا وَأَحْدَثَ أَكْثَرَ مِمَّا أَحْدَثَ مَنْ قَبْلَهُ, حَتَّى اتَّخَذُوهَا مَسَاجِدَ وَمَعَابِدَ, إِلَى أَنْ عُبِدَتْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ وَفَعَلُوا بِهَا مَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْأَوْثَانِ بِأَوْثَانِهِمْ وَزَادُوا كَثِيرًا فَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ, وَأَضَلُّوا مَنْ قَدَرُوا عَلَى إِضْلَالِهِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ, وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدِّينِ عِنْدَهُمْ إِلَّا اسْمُهُ وَلَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَدَيْهِمْ إِلَّا لَفْظُهُ وَرَسْمُهُ, وَلَكِنَّ الأرض لا تخلو مِنْ مُجَدِّدٍ لِمَعَالِمِ الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ وَمُنَبِّهٍ عَلَى مَا يُخِلُّ بِهَا أَوْ يُنَاقِضُهَا مِنَ الْبِدَعِ الشَّيْطَانِيَّةِ, وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ -أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرَةً, لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ أَوْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الْحِجْرِ: ٩] .

وَلِلْقَنَادِيلِ عَلَيْهَا أَوْقَدُوا ... وَكَمْ لِوَاءٍ فَوْقَهَا قَدْ عَقَدُوا

وَنَصَبُوا الْأَعْلَامَ وَالرَّايَاتِ ... وَافْتُتِنُوا بِالْأَعْظُمِ الرُّفَاتِ

بَلْ نَحَرُوا فِي سُوحِهَا النَّحَائِرْ ... فِعْلَ أُولِي التَّسْيِيبِ وَالْبَحَائِرْ

وَالْتَمَسُوا الْحَاجَاتِ مِنْ مَوْتَاهُمْ ... وَاتَّخَذُوا إِلَهَهُمْ هَوَاهُمْ

"وَلِلْقَنَادِيلِ" مِنَ الشُّمُوعِ وَغَيْرِهَا "عَلَيْهَا" أَيْ: عَلَى الْقُبُورِ وَفِي قِبَابِهَا "أَوْقَدُوا" تَعَرُّضًا لِلَّعْنَةِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِذْ يَقُولُ: "لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ, وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ" ١. فَأَوْقَفُوا لِتَسْرِيجِهَا الْوُقُوفَ الْكَثِيرَةَ وَجَعَلُوا عَلَيْهَا سَدَنَةً وَخُدَّامًا مُعَدِّينَ لِإِيقَادِهَا, وَوَيْلٌ لِلسَّادِنِ إِنْ طُفِئَ مِصْبَاحُ قَبْرِ الشَّيْخِ "وَكَمْ لواء فوقها قد عَقَدُوا" تَعْظِيمًا لَهَا وَتَأَلُّهًا وَرَغْبَةً وَرَهْبَةً "وَنَصَبُوا" عَلَيْهَا "الْأَعْلَامَ وَالرَّايَاتِ" لَا سِيَّمَا يَوْمَ عِيدِهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدِ اتَّخَذُوا لِكُلِّ قَبْرٍ عِيدًا أَيْ: يَوْمًا مُعْتَادًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ مِنْ أَقَاصِي الْبِلَادِ وَأَدْنَاهَا كَمَا أَنَّ الْحَجَّ يَوْمَ عَرَفَةَ, مُخَالَفَةً مِنْهُمْ وَمُشَاقَّةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ, إِذْ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا" ٢. فَقَدِ اتَّخَذُوا قُبُورَ


١ تقدم.
٢ تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>