مَنْ هُوَ دُونَهُ أَعْيَادًا, وَمَنْ فَاتَهُ يَوْمُ ذَلِكَ الْعِيدِ الْمُعْتَادِ فَقَدْ فَاتَهُ الْمَشْهَدُ وَفَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ, وَفِي ذَلِكَ الْعِيدِ تُنْصَبُ الزِّينَةُ الْبَاهِرَةُ وَتُدَقُّ الطُّبُولُ وَالْأَعْوَادُ, وَيَجْتَمِعُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي مَيْدَانٍ وَاحِدٍ لَابِسِينَ زِينَتَهُمْ, قَدْ عُطِّرَ كُلٌّ مِنَ الْجِنْسَيْنِ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ وَلَبِسَ أَطْيَبَ مَا يَجِدُ, وَتُجْبَى الْأَمْوَالُ مِنَ الْأَوْقَافِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِهَا عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا مِنْ نُقُودٍ وَثِمَارٍ وَأَنْعَامٍ وَخَرَاجَاتٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا لَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُهُ وَلَمْ تُنْفَقْ فِي مَرْضَاتِهِ, بَلْ فِي مَسَاخِطِهِ "وَافْتُتِنُوا" فِي دِينِهِمْ "بِالْأَعْظُمِ الرُّفَاتِ" النَّخِرَةِ, فَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, دُعَاءً وَتَوَكُّلًا وَخَوْفًا وَرَجَاءً وَنَذْرًا وَنُسُكًا وَغَيْرَ ذَلِكَ "بَلْ نَحَرُوا فِي سُوحِهَا" أَيْ: فِي أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ "النَّحَائِرَ" مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إِذَا نَابَهُمْ أَمْرٌ أَوْ طَلَبُوا حَاجَةً مِنْ شِفَاءِ مَرِيضٍ أَوْ رَدِّ غَائِبٍ أَوْ نَحْوِ ذلك, وأكثرهم يسمها لِلْقَبْرِ مِنْ حَيْثُ تُوْلَدُ وَيُرَبِّيهَا لَهُ إِلَى أَنْ تَصْلُحَ لِلْقُرْبَةِ فِي عُرْفِهِمْ, وَلَا يَجُوزَ عِنْدَهُمْ تَغْيِيرُهَا وَلَا تَبْدِيلُهَا وَلَا خَصْيُهَا وَلَا وِجَاؤُهَا لَا يَذْهَبُ شَيْءٌ مِنْ دَمِهَا؛ إِذْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ نَقْصٌ فِيهَا وَبَخْسٌ "فِعْلَ أُولِي التَّسْيِيبِ وَالْبَحَائِرِ" أَيْ: كَفِعْلِ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَسْيِيبِهِمُ السَّوَائِبَ وَتَبْحِيرِ الْبَحَائِرِ وَجَعْلِ الْحَامِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُمْ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ, غَيْرَ أَنَّ أُولَئِكَ سَمَّوْهُمْ آلِهَةً وَشُفَعَاءَ وَسَمَّوْا مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ بِهِمْ عِبَادَةً, وَهَؤُلَاءِ سَمَّوْهُمْ سَادَةً وَأَوْلِيَاءَ وَسَمَّوْا دُعَاءَهُمْ إِيَّاهُمْ تَبَرُّكًا وَتَوَسُّلًا, وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ فِي فِعْلِهِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَهَؤُلَاءِ أَعْظَمُ شِرْكًا وَأَشَدُّ لِأَنَّهُمْ يُشْرِكُونَ فِي الرَّخَاءِ وَفِي الشِّدَّةِ, بَلْ هُمْ فِي الشِّدَّةِ أَكْثَرُ شِرْكًا وَأَشَدُّ تَعَلُّقًا بِهِمْ مِنْ حَالَةِ الرَّخَاءِ, وَأَمَّا مُشْرِكُو الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى فَيُشْرِكُونَ فِي الرَّخَاءِ وَيُخْلِصُونَ لِلَّهِ فِي الشِّدَّةِ, كَمَا أَخْبَرَنَا اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٥] وَغَيْرَهَا مِنَ الْآيَاتِ. "وَالْتَمَسُوا الْحَاجَاتِ" الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "مِنْ مَوْتَاهُمْ" مِنْ جَلْبِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ "وَاتَّخَذُوا إِلَهَهُمْ هَوَاهُمْ" وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ بَلْ فِي جَمِيعِ مَعَاصِي اللَّهِ, وَهُوَ الَّذِي كُلَّمَا هَوَى أَمْرًا أَتَاهُ, وَلَمْ يَأْتِهِمُ الشَّيْطَانُ مِنْ غَيْرِ بَابِ الْهَوَى وَلَمْ يَصْطَدْ أَحَدًا بِغَيْرِ شَبَكَتِهِ؛ لِأَنَّ الْهَوَى يُعْمِي عَنِ الْحَقِّ وَيُضِلُّ عَنِ السَّبِيلِ أَتْبَاعَهُ وَهُوَ سَبَبُ الشَّقَاوَةِ, كَمَا أَنَّ الْتِزَامَ الشَّرِيعَةِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا سَبَبُ السَّعَادَةِ, فَهُمَا ضِدَّانِ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute