للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي جَلْبِ خَيْرٍ أَوْ كَشْفِ مَكْرُوهٍ إِنَّمَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَشْخَصُ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى جِهَةِ الْعُلُوِّ, إِلَى مَنْ يَعْلَمُ سِرَّهُ وَنَجْوَاهُ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ, يَعْلَمُ أَنَّ مَعْبُودَهُ فَوْقَهُ وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُدْعَى مِنْ أَعْلَى لَا مِنْ أسفل, كما يقوله الْجَهْمِيَّةُ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَنَزَّهَ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

ذِكْرُ أَقْوَالِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صِفَةِ الْعُلُوِّ:

رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ, إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ إِلَهَكُمُ الَّذِي تَعْبُدُونَهُ فَإِنَّ إِلَهَكُمْ قَدْ مَاتَ, وَإِنْ كَانَ إِلَهَكُمُ اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ فَإِنَّ إِلَهَكُمْ لَمْ يَمُتْ. ثُمَّ تَلَا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ١. وَلِلْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ وَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ ,وَأُمِّي طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا, وَقَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ حَيٌّ لَا يَمُوتُ٢. وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّامَ اسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ, فَقَالُوا: لَوْ رَكِبْتَ بِرْذَوْنًا يَلْقَاكَ عُظَمَاءُ النَّاسِ وَوُجُوهُهُمْ, فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ألا أراكم ههنا, إِنَّمَا الأمر من ههنا فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ, قَالَ الذَّهَبِيُّ: إِسْنَادُهُ كَالشَّمْسِ٣. وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ كَعْبًا قَالَ لِعُمَرَ: وَيْلٌ لِسُلْطَانِ الْأَرْضِ مِنْ سُلْطَانِ السَّمَاءِ, فَقَالَ عُمَرُ: إِلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ. فَقَالَ كَعْبٌ: إِلَّا مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ. فَكَبَّرَ عُمَرُ ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا٤. وَعَنْ


١ وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية "٧٨" وإسناده حسن. ورواه الذهبي في العلو من طريق ابن أبي شيبة "ص٦٢".
٢ البخاري في التاريخ الكبير "١/ ١/ ٢٠١-٢٠٢" وفيه انقطاع بين البخاري وبين محمد بن فضيل بن غزوان ورواه من طريقه ابن قدامة في صفة العلو "٧٠" وهو صحيح بالذي قبله.
٣ رواه الذهبي في العلو من طريقه "ص٦٢" وقال: إسناده كالشمس ورواه الدارمي في الرد على المريسي "ص١٠٥" وإسناده عندهما على شرط الشيخين.
٤ الدارمي في الرد على الجهمية "ح٨٩" والدارمي في الرد على المريسي "ص١٠٤" وفي إسناده عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو صدوق كثير الغلط وفيه غفلة, وقد تابعه عبد الله بن بكير عند الخرائطي في فضيلة الشكر "٦٨" فهو صحيح به.

<<  <  ج: ص:  >  >>