يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} . وَالْعَبْدُ إِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُعَبَّدُ أَيِ: الْمُذَلَّلُ الْمُسَخَّرُ, دَخَلَ فِيهِ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ جَمِيعِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ مِنْ عَاقِلٍ وَغَيْرِهِ وَمِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَمُتَحَرِّكٍ وَسَاكِنٍ وَظَاهِرٍ وَكَامِنٍ وَمُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَبَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ, الْكُلُّ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- مُسَخَّرٌ بِتَسْخِيرِهِ مُدَبَّرٌ بِتَدْبِيرِهِ, وَلِكُلٍّ مِنْهَا رَسْمٌ يَقِفُ عَلَيْهِ وَحَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: ٤٠] كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى لَا يَتَجَاوَزُهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ, ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَلِيمِ وَتَدْبِيرُ الْعَدْلِ الْحَكِيمِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْعَابِدُ خُصَّ ذَلِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْمُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِ بِكَثِيرٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ, لَكِنْ لَمَّا عَبَدُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ وَأَشْرَكُوهُ مَعَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ هَبَاءً مَنْثُورًا: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} [إِبْرَاهِيمَ: ١٨] وَ {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا} [الْبَقَرَةِ: ٢٦٤] وَ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النُّورِ: ٣٩] , {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النُّورٍ: ٤٠] . ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ {اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وَ {اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [مُحَمَّدٍ: ٢٨] وَتَوَلَّوُا الطَّاغُوتَ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ, وَعَبَدُوا الشَّيْطَانَ وَقَدْ عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ أَنْ لَا يَعْبُدُوهُ وَبَيَّنَ لَهُمْ عَدَاوَتَهُ وَقَالَ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فَاطِرٍ: ٦] وَقَالَ: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الْكَهْفِ: ٥٠] فَخَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ وَتَوَلَّوْا أَعْدَاءَهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ وَحَارَبُوا حِزْبَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ, وَأَرَادُوا تَشْيِيدَ الْكُفْرِ وَإِعْلَاءَهُ وَرَدَّ الْحَقِّ وَإِبَاءَهُ؛ فَأَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَيُظْهِرَ دِينَهُ وَيُعْلِيَ كَلِمَتَهُ وَيَنْصُرَ أَوْلِيَاءَهُ وَيُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ, وَيَجْعَلَ حِزْبَهُ -هُمُ- الْغَالِبِينَ وَيَجْعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute