للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَتَاهُ الْمَوْتُ, فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ, فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ, فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ, فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ, فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ, فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ", قَالَ قَتَادَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ "لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَاءَ بِصَدْرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ "فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ؛ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ ثُمَّ مَاتَ؛ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ, فَكَانَ إِلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ مِنْهَا شِبْرًا فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا" ١.

وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا, وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا, فَأَتَوْا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ, لَوْ تُخْبِرُنَا هَلْ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً, فَنَزَلَ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الْفُرْقَانِ: ٦٨] وَنَزَلَ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزُّمَرِ: ٥٣] ٢.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي حَدِيثِهِ قَالَ: "وَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِمَّنِ افْتُتِنَ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَلَا تَوْبَةً, عَرَفُوا اللَّهَ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْكُفْرِ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ. قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِي قَوْلِنَا وَقَوْلِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا


١ البخاري "٦/ ٥١٢" في الأنبياء، باب "٥٤" ومسلم "٤/ ٢١١٨/ ح٢٧٦٦" في التوبة، باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله.
٢ البخاري "٨/ ٥٤٩" في تفسير سورة الزمر، باب قوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} ، ومسلم "١/ ١١٣/ ح١٢٢" في الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج.

<<  <  ج: ص:  >  >>