للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ, وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ١.

وَقَالَ الْبَغَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الْأَنْفَالِ: ٣٠] وَهَذِهِ الْآيَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} وَاذْكُرْ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ} وَأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ, وَهَذَا الْمَكْرُ وَالْقَوْلُ إِنَّمَا كَانَ بِمَكَّةَ, وَلَكِنَّ اللَّهَ ذَكَرَهُمْ بِالْمَدِينَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} [التَّوْبَةِ: ٤٠] وَكَانَ هَذَا الْمَكْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ قُرَيْشًا فَرِقُوا لَمَّا أَسْلَمَتِ الْأَنْصَارُ أَنْ يَتَفَاقَمَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ كِبَارِهِمْ فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَتَشَاوَرُوا فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ رُءُوسُهُمْ عَتَبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ وَأَبُو جَهِلَ بْنُ هِشَامٍ وَأَبُو سُفْيَانَ وَالْمُطْعَمُ بْنُ عَدِيٍّ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَبُو الْبَخْتَرِيُّ بْنُ هِشَامٍ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ, فَاعْتَرَضَهُمْ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ, فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: شَيْخٌ مِنْ نَجْدٍ سَمِعْتُ بِاجْتِمَاعِكُمْ فَأَرَدْتُ أَنْ أَحْضُرَكُمْ وَلَنْ تُعْدَمُوا مِنِّي رَأْيًا وَنُصْحًا. قَالُوا: ادْخُلْ فَدَخَلَ, فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيُّ: أَمَّا أَنَا فَأَرَى أن تأخذوا محمد وَتَحْبِسُوهُ فِي بَيْتٍ وَتَشُدُّوا وِثَاقَهُ, وَتَسُدُّوا بَابَ الْبَيْتِ, غَيْرَ كَوَّةٍ تُلْقُونَ إِلَيْهِ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَتَتَرَبَّصُوا بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ حَتَّى يَهْلَكَ فِيهِ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ, قَالَ: فَصَرَخَ عَدُوُّ اللَّهِ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ, وَقَالَ: بِئْسَ الرَّأْيُ رَأَيْتُمْ, وَاللَّهِ لَئِنْ حَبَسْتُمُوهُ فِي بَيْتٍ فَخَرَجَ أَمَرُهُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ الَّذِي أَغْلَقْتُمْ دُونَهُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَيُوشِكُ أَنْ يَثِبُوا عَلَيْكُمْ وَيُقَاتِلُوكُمْ وَيَأْخُذُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ. قَالُوا: صَدَقَ الشَّيْخُ النَّجْدِيُّ, فَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ: أَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنْ تَحْمِلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ وَتُخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَلَا يَضُرُّكُمْ مَا صَنَعَ وَإِلَى أَيْنَ وَقَعَ إِذَا غَابَ عَنْكُمْ وَاسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ. فَقَالَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ: مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ تَعْتَمِدُونَهُ, تَعْمِدُونَ إِلَى رَجُلٍ قَدْ أَفْسَدَ أَحْلَامَكُمْ فَتُخْرِجُونَهُ إِلَى غَيْرِكُمْ فَيُفْسِدُهُمْ, أَلَمْ تَرَوْا إِلَى حَلَاوَةِ مَنْطِقِهِ


١ البخاري "٧/ ٢٢٧" في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه إلى المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>