للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ فِي بَيْعَتِهِ إِيَّاهُ حِينَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ لَمَّا افْتَقَدَهُ لَيْلَةَ السَّقِيفَةِ أَوْ صُبْحَتَهَا, وَلَفْظَةُ "لَمْ يَكُنْ بَايَعَ تِلْكَ الْأَشْهُرَ" إِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ فَلَعَلَّهَا لَمْ تَعْلَمْ بَيْعَتُهُ الْأُولَى الَّتِي أَثْبَتَهَا أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَمُ وَأَعْلَمُ بِهَا إِذْ لَا يَحْضُرُهَا النِّسَاءُ, وَأَيْضًا فَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا أَنَّ مُجَرَّدَ النَّفْيِ لَا يَكُونُ عِلْمًا وَعِنْدَ الْمُثْبِتِ زِيَادَةُ عَلَمٍ انْفَرَدَ بِهَا عَنِ النافي, إذ فغاية مَا عِنْدَ النَّافِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ. وَلَعَلَّ عَائِشَةَ تَيَقَّنَتْ عَدَمَ حُضُورِهِ بَيْعَةَ السَّقِيفَةِ مِنَ الْعَشِيِّ وَلَمْ يَبْلُغْهَا حُضُورُهُ صُبْحَتَهَا فِي الْبَيْعَةِ الْعَامَّةِ. وَإِنْ كَانَ هَذَا كَلَامُ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَهُوَ بِمُجَرَّدِ مَا فَهِمَهُ مِنَ الْبَيْعَةِ الْأُخْرَى ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ قبل ذلك. فقال مُصَرِّحًا بِظَنِّهِ: "وَلَمْ يَكُنْ بَايِعْ تِلْكَ الْأَشْهُرَ". وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ بَعْدَ مَوْتِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِإِزَالَةِ مَا كَانَ حَصَلَ مِنَ الْوَحْشَةِ وَالْمُشَاجَرَةِ بِسَبَبِ دَعْوَاهَا, وَيَشْهَدُ لذلك أن علي بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُفَارِقِ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ, وَلَا يَنْقَطِعُ فِي صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ خَلْفَهُ, وَكَانَ خُرُوجُهُ مَعَهُ إِلَى ذِي الْقِصَّةِ حِينَ عَقَدَ أَلْوِيَةَ الْأُمَرَاءِ الْأَحَدَ عَشَرَ فِي حَيَاةِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا بَرَزَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ, أَخَذَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزِمَامِهَا وَقَالَ: إِلَى أَيْنَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقُولُ لَكَ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَوْمَ أُحُدٍ لُمَّ سَيْفَكَ وَلَا تُفْجِعُنَا بِنَفْسِكَ وَارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ" فَوَاللَّهِ لَئِنْ فَجُعْنَا بِكَ لَا يَكُونُ لِلْإِسْلَامِ نِظَامٌ أَبَدًا. فَرَجِعَ١.

وَرَوَاهُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّهْرِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ


١ الدارقطني في غرائب مالك "البداية والنهاية ٦/ ٣١٥" وهو ضعيف فيه عبد الوهاب بن موسى ذكره الذهبي بقول: حيوان كذاب! وفيه كلام طويل انظره في اللسان "ت١٧١" ج"٤" وقال ابن كثير: حديث غريب من طريق مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>